الانسان اذا تذكر أمراً ، أنه عين ما كان يعرفه سابقاً مع انه قد مضى على الانسان ومخه ما لا يستهان به من السنين وطرأت على بدنه ما لا يحصى من التغيرات والتبدلات ، ولهذا جاء يسمي مشابه الأثار «عينها».
ويمكن أن يجاب عن هذه النظرية بأن الانسان يتخيل أن ما أدر كه ثانیاً هو نفس ما أدركه أولا ، وليس لهذه العينية واقعية.
ولكن ذلك يصادم وجدان كل واحد منا فان كل من استرجع الخواطر السالفة بعد فترة من الزمن يقف على نفس تلك الخواطر وكأنه يرى نفسه في مواجهتها بعينها.
ثم أن براهین «تجرد» الروح الانسانية وبراهين أعمية الوجود من المادة والطاقة أكثر مما ذكرناه (١) ، ولقد اقتصرنا ـ هنا ـ على البراهين الواضحة الجلية التي يسهل على القراء فهمها.
وينبغي بعد هذا أن نستعرض نظر القرآن الكريم والأحاديث الشريفة حول الروح والنفس.
القرآن الكريم وتجرد الروح :
من خلال الابحاث والبراهين المتقدمة عرفت أن «الوجود» لا ینحصر في المادة ، وان اطاره أوسع منها ، وان كل من زعم حصر الوجود في المادة ، ونفى أيّ موجود وراءها فقد تجاهل ما دل على تجرد النفس والروح الانسانية من البراهين القاطعة ، والأدلة الدامغة.
ثم انه يترتب على «تجرد النفس» بقاؤها بعد انحلال الجسد ، فان الأمر
__________________
(١) راجع اصول الفلسفة العلامة الحجة الطباطبائی بقلم الاستاذ العلامة جعفر السبحاني ج ١ ص ١٥٣ ـ ١٥٧.