ان الانصاف يقضي بان لا يرجح أحد هذين الاحتمالين الا بالدليل القاطع ، والبرهان القوي ولكن المادي يكتفي بالمشاهدة ويقول : ان المشاهد لنا هو ظهور الخلية البشرية ـ مثلا ـ في هذا الشكل من النظام البديع كلما توفرت شروطها ولا نلحظ ـ بالحس أو التجربة ـ دخالة أي عامل خارجي في ظهور هذا النظام ، ولهذا فلا يصح لنا تفسيره بوجود مثل هذا العامل ، ودخالته وعليته!!
بيد أن المادي نسي أو تناسى أن الحس والتجربة لا يقدران الا على اثبات أو نفي ما يقع في نطاقهما ومجالهما ، لا ما يكون خارج نطاقهما ، والذي يدعيه الالهي من العامل الخارجي الموجد لهذا النظام ليس مما يقع في اطار الحس أو نطاق التجربة ، بل هو على فرض صحته وثبوته مما يدركه العقل ، ويمكن الوصول اليه بالاستدلال العقلي.
وخلاصة القول :
ان الحس والتجربة من أدوات المعرفة التي لا ينكرها الالهي ، غير ان تلك الاداة لا تثبت الا ما يقع تحت نطاقها ، ويكون في مجالها ، وأما الامر الخارج عن اطار الحس والتجربة فلا يمكن اخضاعه للتجربة نفياً أو اثباتاً.
ولتوضيح هذه الحقيقة نذكر المثال التالي :
فنقول : ان الالهي يرى ان الانسان يتألف من بعدين : من الجسم والروح. وان أحد الجزئين ، وهو الجسم يخضع للتجربة والحس ، وأما الجزء الاخر ـ على فرض صحته وثبوته ـ فخارج عن نطاق الحس والتجربة.
فلو أن المادي أنكر وجود الروح بحجة أنه لا يشاهدها كما يشاهد الجسم في المختبر وتحت المجهر والمبضع ، كان انكاره غير مقبول ، بل ومحاولة سخيفة ، لان الروح على فرض صحته ، كائن يسمو عن الخضوع لما اتخذه