لا يمكن تفسير كل هذا التناسق والانسجام والتحسب للمستقبل وحاجاته وطوارئه بأنه خاصية الأشياء ، فان خاصية كل شيء هو نظامه الخاص به ـ على فرض صحة هذه النظرية ـ لا التنسيق مع الأشياء الأخرى والتحسب للمستقبل ، والتهيوء للطوارئ.
وبعبارة اخرى : ان غاية ما تعطيه خاصية المادة ، هي ان تبلغ بنفسها فقط الى مرحلة معينة من التكامل الخاص ، والنظام المعين ـ على فرض صحة هذا القول ـ لا ان تتحسب للمستقبل ، وتتهيأ للحاجات الطارئة ولا ان تقيم حالة عجيبة ورائعة من التناسق والانسجام بينها وبين الأشياء المختلفة ، والعناصر المتنافرة في الخواص والانظمة والتي تبلغ ملايين الملايين.
ان النحسب للمستقبل وحاجاته الطارئة لا يمكن أن يكون من خواص المواد ، فخاصية كل مادة تفيد في تحديد مسیرها التكاملي خاصة ، ولا يمكن أن تتحسب للمستقبل وتهيء الأشياء الأخرى التي تقع خارج نطاقها لنفسها.
ولنأت بمثال لما ذكرناه عن مسألة التحسب للمستقبل وتهيئة الأجواء للحاجات ، وهو مثال واحد من آلاف الأمثلة في هذا الكون : هب آن خاصية الخلية البشرية عندما تستقر في رحم المرأة ، هي أن تتحرك نحو الهيئة الجنينية ، ثم تصير انساناً ذا أجهزة منظمة. ولكن هناك في الكون في مجال الانسان تحسبا للمستقبل ، وتهيوء الحاجاته القادمة لا يمكن أن يستند الى خاصية المادة (أي الخلية البشرية) وهو أنه قبل أن تتواجد الخلية البشرية في رحم الأم وجدت المرأة ذات تركيبة خاصة ، فهي لها ثديان تنتهيان بحلمتين تتناسبان مع فم الرضيع ، وقد جعلت الحلمتان ذات ثقوب ونوافذ ينفذ اللبن من خلالها بالمقدار الذي يتناسب مع حاجة الطفل ، وجهزت الثديان بلبن سائغ لطيف يتناسب مع مزاج الرضيع ورقة أجهزته ، كما جعلت الثديان بشكل يمكن