بل قوام الطبيعة لا يحصل الّا بتفاعل تلك المتضادات فان العالم مركب من عناصر مختلفة متضادة (وهي اما أربعة كما عليه بعض علماء الطبيعة القدامی أو ١٥ كما عليه علماء الطبيعة الجدد) متفاعلة فيما بينها تفاعلا ينتج نوعاً جديداً من الطبيعة ، أو متمازجة أو مؤثرة بعضها في بعض بحيث يتولد مزاج آخر ، وهكذا تحصل التنوعات المختلفة في الطبيعة ، فالماء يتركب من عنصري الأوكسجين والهيدروجين والملح يتألف من تركب الصوديوم والكلور.
وهذا أمر قد سبقت «الفلسفة الاسلامية» الى التصريح به ، قبل أن يولد ماركس ، وقبل ان تولد الماركسية التي تدعي انها الكاشفة لناموس التضاد في الكون والطبيعة.
فهذا هو الفيلسوف الاسلامي الكبير «صدر الدين الشيرازي» يصرّح بوجود هذا التضاد في الكون ، وبأن هذا التضاد هو السبب لظهور التنوعات المادية المختلفة في الطبيعة اذ يقول عند البحث عن وقوع الشرور في جانب الخيرات :
«ومنشأ ذلك الوقوع هو قبولها للتضاد الموجب للكون والفساد ، فانه لولا التضاد ما صح حدوث الحادثات التي بسبب الاستحالات الباعثة للاستعدادات ، والنفوس الانسانية لا تحصل الا عند حصول الابدان واستعدادات مادتها لتعلق النفس بها وذلك لا يحصل الا بتفاعل الكيفيات المتضادة ، فالتضاد الحاصل في هذا العالم سبب دوام الفيض».
وقال في موضع آخر :
«اقتضت العناية الأزلية وقوع الاستحالة (أي تأثير العناصر في بعض) والتضاد في عالم الكون والفساد ، ولولا التضاد لما صح الكون والفساد ، ..
__________________
(١) الاسفار ج ٧ ص ٧١.