وكون الصور والكيفيات مضاداً بعضها لبعض قد علمت انها من لوازم وجودها المادي ، ومن ضرورة التفاعل بينها حتى يقع الاعتدال ويحصل به كمال تضادها ، فصح انه لولا التضاد ما صح دوام الفيض من المبدأ الجواد ، ولوقف الوجود ولتعطل العالم العنصري عن قبول الحياة التي بها يحصل نيل المقصود» (١).
ثم ان لصدر المتألهین بیاناً مفصلا حول تأثير المتضادین بعضها في بعض وبالتالي حصول الكائنات بأنواعها فمن أراد أن يقف عليه فلينظر إلى محله (٢).
فما تدعيه الماركسية من مسألة التضاد ، وأن كل شيء يحتوي على ضده الذي ينبع من صميم جوهره ويصارعه ويناضله حتى ينفي وجوده ، ويحصل من هذا الصراع والنضال شيء ثالث ، يرجع ـ في الحقيقة ـ الى «التضاد الفلسفي» الذي لا ريب في وقوعه في الكون وعالمالطبيعة كما عرفت من كلمات الفلاسفة ، دون التضاد المنطقي.
بل النصوص الدينية من الكتاب العزيز والسنة الشريفة مصرّحة بوجود مثل هذا التضاد في عالم الطبيعة.
فالروح الانسانية تتألف من طاقات مختلفة كما هو الحال في الجسم الانساني.
فقد صرّح الفلاسفة ان الجوهرة الانسانية تتألف من غرائز متنوعة ، والكائن الانساني مسرح لمختلف الضغوط والمطاليب ، ومركز لتجمع مختلف القوى العقلانية والنفسانية ، ولا تتجلى عظمة الانسان الا في كونه حاوياً لمثل هذه القوى المتضادة ، فلو انحصرت القوى المزروعة في كيان الانسان في القوى العقلانية ، أو النفسانية خاصة لم يتمتع بماله من المكانة والاهمية التي
__________________
(١) المصدر السابق ص ٧٧.
(٢) المصدر السابق ج ٥ الفن الرابع الفصل ١١ ص ١٢ ـ ١٣.