وعلى ذلك فليس في ذات الكائنات المادية أي تقدم أو تأخر ، أي ليست الكائنات المادية متقدمة أو متأخرة بالذات بل قد استعارت وصف التقدم والتأخر من الزمان ، لاجل وقوعها في هذا الظرف أو ذاك ، بحيث لو حذفنا الزمان من صفحة الوجود لما اتصفت تلك الكائنات المادية بالتقدم والتأخر.
وهذا القول (أي وجود بعد مستقل هويته نفس السيلان والجريان وذاته عين التقدم والتأخر وهو في حد نفسه وعاء للكائنات المادية فهي واقعة فيه وقوع المظروف في الظرف) وان أجاب عن السؤال المطروح حول ملاك توصیف بعض الكائنات بالتقدم ، والبعض الآخر بالتأخر ، الا أنه ليس بمرضي عند الفيلسوف الاسلامي الكبير «صدر الدين الشيرازي» الذي تعرض له بالنقد بالبيان التالي.
ان محصل هذا القول هو : ان الزمان شيء والكائنات شيء آخر ، وليس الزمان بعداً للموجودات المادية داخلا في جوهرها ، واقعاً في حقيقتها ، وانما هو وعاء يقع العالم فيه ، فبما أن لاجزاء ذلك البعد تقدماً وتأخراً بالذات ، اتصفت الكائنات التي تقع في ذلك الظرف بذلك الوصف استعارة ومجازاً ، وعندئذ ينطرح السؤال التالي :
لو كانت طبيعة الكائنات المادية منزهة بالذات عن الزمان ، وعارية عنه بحسب ذاتها ، استحال وصفها بالتقدم والتأخر على وجه الحقيقة ، اذ على هذا يكون ذلك البعد السيال المتقدم بعضه والمتأخر بعضه الآخر ، خارجاً عن جوهر الكائنات وذات هذا الكون ، ويكون أمراً عرضياً لا يتجاوز عن كونه وعاء وظرفاً للكون والكائنات ، وعند ذلك فكيف يصح وصف تلك الكائنات بأنها متقدمة أو متأخرة حقيقة والحال أن المتقدم والمتأخر ـ في الحقيقة ـ هو وعاء | هذه الكائنات وظرف هذا الكون؟