أو ليست نسبة هذا الأمر واسناده الى الظواهر المادية ـ على هذا القول ـ نسبة خاطئة واسناداً مجازياً غير حقيقي ، مع أن ما نجده هو خلاف هذا فاننا عندما نصف كائناً بالتقدم وآخر بالتأخر ونسند اليهما هذين الوصفین نفعل ذلك على وجه الحقيقة لا المجاز ، أي اننا نعتبر التقدم والتأخر صفة لنفس الظاهرة حقيقة.
ان قولهم بأن التقدم والتأخر خارج عن حقيقة الكائنات المادية غير أنها يسند اليها التقدم والتأخر بالمجاز والعناية يشبه توصيف الجسم الذي لا يقبل الحرارة بأنه حار حقيقة ، أو الذي لا يقبل الاحتراق بأنه محترق بالحقيقة.
فلو كانت الكائنات المادية قارة في حقيقة ذاتها ، ثابتة في صميم طبيعتها ، استحال أن توصف باللاقرار واللاثبات ، والتقدم والتأخر الا بالمجاز والعناية ويكون توصيفها من قبيل الوصف بحال المتعلق (١).
ولكن اتصافها بالتقدم والتأخر والتصرم والانقضاء والمضي والاستقبال ، على الحقيقة خير دليل على ان لهذا الاتصاف منشأ في ذات الجسم وطبيعته ، وحقيقة جوهره.
ولأجل ذلك نرى أن الموجودات الخارجة عن أفق الزمان (كالمجردات) لا تقع في نطاق الزمان ولا توصف به ، ولا توصف بالتقدم والتأخر (٢) أي لا تكون ضمن الزمان ولا معه بل هي خارجة عنه غير منصفة به ، ونسبتها الى الزمان المتقدم والمتأخر سواء.
__________________
(١) مثل قولنا : زید طویل ثوبه.
(٢) ويشبه ذلك القوانين الرياضية مثل ٢+٢=٤ فان هذا الأمر نزيه عن الزمان وان كان كل واحد من مصادیق هذه الأرقام اموراً زمانية ، ولكن تلك القاعدة الكلية منزهة عن الزمان مبرأة من السيلان وهو أشبه شيء بالمجردات في عالم الأعيان غير المادية.