وحكمة لا تزال متردداً بين عزوها إلى الصدفة والاتفاق وبين اسنادها للحكمة والعلم؟.
قال اريستوديم : لا والاله ، فان أقل نظر في هذه الكائنات يدلنا على ان هنالك ذات عالم رحیم خلقها وأبدعها.
قال سقراط : زد على هذا الميل المودع في الطبائع للتكاثر والرحمة المودعة في قلوب الامهات لتغذية صغارها واعالتهم وما غرس في نفوس تلك الصغار من عواطف حب الحياة والهرب من الموت.
قال ار يستوديوم : لاشك ان كل هذا يدل على انه اختراع موجود حكیم أعد الأرض وهيأها لسكنى الحيوانات (١).
وهذا الاستدلال العميق الذي اقتطفنا منه ما يهمنا في هذا البحث يكشف من ان الالهين كانوا ـ منذ أقدم العصور ـ يعتمدون الاستدلال والبرهنة لاثبات الخالق ، ويكشف عن ان النظام البديع السائد في الكون هو الذي قادهم الى الاعتقاد بوجود ذلك الفاعل العالم الحكيم. وان اعتقاد جماهير المؤمنين بالله كان ولم يزل يرتكز على البرهان والدليل لا أن جهلها بالعدل الطبيعية هو الذي دفعها الى افتراض علة واحدة باسم الاله لتسند اليه كل الحوادث والطوارئ المسبية من الأسباب المادية.
هذا وقد سبق بعض الكلام في هذا الخصوص عند الحديث عن أسباب ظهور العقيدة في الحياة البشرية.
وخلاصة القول ان هذا الحوار الذي دار بين ذلك الفيلسوف الالهي الكبير الذي كان يعيش في ما قبل الميلاد يكشف عن مدى توجه الالهي إلى نفس النظام المادي للعلل والمعاليل.
__________________
(١) راجع الاسلام في السر العام لمحمد فريد وجدي ص ١٦٢ ـ ١٦٤.