ولأجل ذلك نجد أن الحكماء العظام يشنعون على كل من يريد اثبات وجود الخالق سبحانه أو شيء من صفاته بالحوادث الاستثنائية التي تجري على خلاف ما تقتضيه العلل المادية.
يقول الحكيم الالهي صدر الدين الشيرازي في تخطئة من يريد اثبات مذهب التأله بالحوادث الاستثنائية :
«واعجب الأمور ان هؤلاء القوم متى حاولوا اثبات أصل من أصول الدين كاثبات قدرة الصانع أو اثبات النبوة والمعاد اضطروا إلى ابطال خاصية الطبائع التي أودعها الله فيها ، ونفي الرابطة العقلية بين الأشياء والترتيب الذاتي الوجودي والنظام اللائق الضروري بين الموجودات التي جرت سنة الله عليها ولاتبدیل لها ، وهذه عادتهم في اثبات أكثر الأصول الاعتقادية.» (١).
ونعود لنقول ان «كونت» تصور ان هذه المراحل من التفسير للظواهر الكونية غير قابلة للجمع في الاعتقاد ، فالمرء اما ان يكون الهية ، أو عقلية ، أو علمية تجريبية ، في حين يمكن أن يكون الانسان المعتنق للفلسفة الالهية الهية وعقلية وتجريبيا في آن واحد أي ان يعتقد بجميع تلك التفاسير والعلل ، دون أن ينطوي ذلك على أي تناقض في الاعتقاد ما دامت العلل المجردة والمادية امتدادا للعلة الالهية العليا كما عرفت ، ومادام الانسان في ظل الفلسفة الالهية يعتقد با لاله الخالق للعلل المجردة وما قد ينشا منها من الظواهر الطبيعية أو ما يحصل منها من تدبير كما يصرح القرآن الكريم بذلك في شأن الملائكة (٢) هذا اولا.
__________________
(١) الأسفار الأربعة ج ٩ ص ١٥٨ ويقصد بالرابطة العقلية رابطة العلية التي يحكم بها العقل ، وبالترتيب الذاتي الوجودي الارتباط بين الاسباب ومسبباتها.
(٢) حيث نرى ان الله سبحانه ينسب التدبير الى نفسه ان يقول «ثم استوى على العرش يدبر الأمر ـ يونس ٣ والرعد : ٢» ويصرح في نفس الوقت بمدبرات أخرى وهم الملائكة اذ يقول : «فالمدبرات أمراً ـ النازعات : ٥» وما ذلك إلا تصریح واعتراف