هو مؤدی ناموس الانتخاب الطبيعي وبقاء الأصلح.
وهذه الطائفة الباقية لا يتولد منها الا افراد حاصلون على أرقی صفات سر بهم الممتاز ، فان اتفق وجودها في بيئة جديدة منها أحوال معيشية لم تعتدها وأدمنت المعيشة في هذه البيئة الجديدة اضطرت بحكم تغير الاحوال الى اكتساب صفات الجديدة : جسدية ونفسية تناسب هذه الأحوال ، وهذا هو فحوی ناموس الملائمة مع البيئة والتغير على حسبها.
ثم أن النسل الذي يأتي منها يواد حاصلا على تلك الصفات الجديدة المكتسبة ويورثها هو أيضا نسله وهلم جراً فتصبح ثابتة في النوع وهذا هو مغزی ناموس الوراثة.
فالخلية الأولى التي تكونت منها هذه الأحياء كلها تكاثرت أولا بحكم طبيعتها فصارت نباتات دنيئة أو حيوانات دنيئة فتولتها النواميس الاربعة التي ذكرناها قرونة تعد بعشرات الألوف فلبثت تتنازع البقاء فلم يبق منها الا الأصلح ، ثم تتغير عليها البيئة فنكتسب صفات جديدة تورثها ذرياتها فيحدث فيها تنوع تباین به غيرها مما هي في بيئات اخرى وهلم جرا حتى تكون من هذه الجرثومة الأولى كل ما تراه ماثلا أمامك من سكان هذه الأرض (١).
هذه هي خلاصة نظرية داروين في النشوء والارتقاء بركائزها الاربعة. وقد كانت هذه النظرية أحد الدوافع لمعارضة الدين والاقبال على المادية والالحاد وشيوعهما في بعض الأوساط الغربية.
فلقد استفاد الماديون من هذه النظرية ما يبرر مسلكهم واستدلوا بها على مذهبهم الالحادي بوجهين :
__________________
(١) على اطلال المذهب المادي ج ١ ص ٨.