وخلاصة القول : أن عقيدة الانسان بالله في الاجتماعات البدائية ماهي الّا استمرار لعقيدة الطفل بالحاجة الى حضن الام ، وكنف الاب وحمايتهما ، فهذه العقيدة أو الحالة الطفولية هي التي أوجدت في عقله فكرة الاله القائم مقام الاب.
والجواب عن هذه النظرية هو انه ـ مضافاً الى ما ذكرناه من الأجوبة المشتركة عن النظريات الاخر في هذا المورد ـ يرد عليه :
أولا : أن صاحب هذا التحليل خلط بين «الدافع» والنتيجة المتحصلة من ذلك الدافع من حيث القيمة ، كما ألمحنا الى ذلك في ما سبق.
فلو اننا فرضنا صحة هذا التحليل ـ ولن يصح أبداً ـ وارتضينا ما يقول من أن الحالة الطفولية هي التي دفعت البشر الى اتخاذ العقيدة الدينية ، ولكن ذلك لا يقلل من أهمية العقيدة الدينية وان كان الدافع اليها أمراً تافهاً ، وذلك لما قلنا من أن الدافع وما یندفع اليه ليسا سواء ولا متحدين في القيمة.
فربما يكون الدافع أمراً تافهاً ، ولكنه يدفع الانسان الى امر ذي بال ، كما لو دفعت الحرب الى اختراع اجهزة مفيدة ، أو دفعت غريزة طلب الجاه أو الشهرة أو الثروة الى ابتداع مكتشفات نافعة.
ثانياً : انه يرد عليه ما نبهنا اليه أكثر من مرّة وهو أن هذه النظرية وسابقاتها من قبيل التحليل القائم على أمر غير ثابت أبداً ، بل مما ثبت خلافه ، وهو ان «العقيدة الدينية أمر موهوم لا علة له من فطرة أو عقل» ولما كانت العقيدة عندهم أمرا موهوماً أخذ يشرّق أصحاب هذه النظريات ويغربون ، ويحاولون أن ينحتوا لنشوء هذا الأمر الموهوم علة ، وهم يرون بان نشوء العقيدة الدينية من قبيل الاعتقاد بنحوسة العدد ١٣ ، ونهيب الغراب ، وما شاكل ذلك.