فان نسج العنكبوت لبيته ، أو صنع النحل للبيوت المسدسة ، أو الحركات الجنسية الصادرة عن الحيوان كلها أمور تقتضيها طبيعة الحيوان ، وجميعها تصدر عنه بعلم ووعي لكن من دون حرية واختيار.
وهذا بعكس الانسان ـ فهو بخلاف الحيوان ـ فانه قادر على تنفيذ غرائزه والسماح بظهور آثارها في حياته عن حرية واختيار أو عدم السماح لها بذلك فهو ليس مسخراً لها ولا محكوماً بحكوماتها القاهرة كما هو الحال في الحيوان بل هو بما جبل عليه من الحرية والاختيار هو الذي يقود الغرائز ويوجهها الى ما هو انسب لشأنه وحاله.
وأما الامر الرابع : وهو الامور الفطرية التي جبل عليها الانسان فتعمل وتصدر آثارها عنه بوعي واختيار.
فحب الاستطلاع ـ مثلا ـ وان كان له جذور ضاربة في اعماق الفطرة الانسانية الا ان للانسان ان يحد منه فيبقى في ظلمة الجهل ولا ينساق وراء رغبته في تحصيل المعرفة والاطلاع.
ثم ان ملازمة هذه الأمور ومبادئها للكينونة الانسانية تبلغ حداً لو سلبت عن الانسان لارتفعت الانسانية برمتها أو ارتفعت الحصة العظيمة منها وكأنها مقوماتها ، ودعائم ذاتها.
وبعبارة أخرى انها من الملازمة بحيث يقتضي فرض عدمها فرض عدم الانسانية ، او عدم حصة منها فكأن هذه الامور تشكل قسطاً كبيراً من انسانية الانسان.
اذا تبين هذا نقول : لقد فسر الالهيون ظاهرة التدين التي لازمت الانسان ابداً ، حسبما تشهد بذلك الاثار والحفريات ، بأنها من مقتضى الفطرة الانسانية التي خلق الانسان وجبل عليها ، حتى كأن العقيدة الدينية هي التوأم الذي يولد مع الانسان.