شاؤوا أم أبوا.
ولم يكن هؤلاء من مجاهيل الناس فقد عرفت سوابقهم الناصعة وتاريخهم النقي من كل شائبة ، كما ولم ينشد هؤلاء من وراء دعوتهم كسب سمعة ، أو جلب منفعة ، فقد واجهوا في سبيلها الصعاب وتحملوا المتاعب ، وضحوا بكل غال ورخيص ، وعرضوا أنفسهم لكل حادث خطير بشهادة التاريخ.
ثم انا نجد أيضا جمهورا كبيرا من الفلاسفة وأصحاب النبوغ ، ورواد العلوم الطبيعية ممن يعبأ الناس بآرائهم امثال ارسطو وافلاطون وسقراط وغيرهم قد أخبروا كذلك بتلك الحقائق وأكدوها بما توصلوا اليه نتيجة التأمل في الطبيعة والنظرة الفاحصة في الكون والوجود.
فهم أخبروا بأن ما يتمتع به هذا الكون من نظام متقن ودقيق وحركة منتظمة ومتسقة ، وما يتجلى في كل جزء من أجزائه من آثار الحكمة والتدبير كل ذلك يدل على صدور هذا الخلق عن مبدأ قادر حكيم ، قد أعطى كل شيء خلقه ، واتقن كل شيء صنعه.
كما أخبروا بأن الحكمة تقتضي أن لا تخلو حياة البشر من هدف معقول فلابد أن تكون هناك حياة خالدة يسعد فيها الانسان وتتحقق فيها كل تطلعاته وطموحاته وأمانيه اذ لا يمكن أن تكون هذه الحياة المحاطة بالحرمان والموت هي غاية الحياة الانسانية ، وهي كل الهدف من وجوده.
ولقد آمن هذا الجمهور الكبير من الفلاسفة والعلماء بهذه الحقائق ومضوا عليها داعين شعوبهم الى الايمان بها ومؤكدين بذلك ما أخبر به الأنبياء ، وصدعت به الرسل.
بعد الوقوف على هذه الحقيقة التاريخية الساطعة ، واخبار هذا الجم الغفير بهذه الأمور عن مبدأ الكون ومصير الانسان ، وما عليه من واجبات ، وما ينتظره