وأيضا لو لم تكن الأوامر الغيريّة باعثة نحو متعلّقاتها بأن تكون داعية تدعو إليها كان صدورها من المولى لغوا ؛ إذ الغرض من الأمر البعث نحو المتعلّق فلو لم يكن هذا الغرض حاصلا في الأوامر الغيريّة ـ والمفروض عدم غرض آخر ـ فما الوجه في صدورها من المولى؟!
والحاصل : إنكار وجوب المقدّمات وأنّ التعبّد بها يكون بقصد أوامر ذيها أولى من الالتزام بالوجوب ثمّ التمحّل بما ذكر.
نعم ، لو قلنا بأنّ الواجب هو المقدّمة الموصلة أو المقصود بها الإيصال صحّ ذلك الاشتراط ، لكن المفروض خلافه.
وأمّا اشتراط الوجوب بإرادة ذي المقدّمة فمردود بأنّ قضيّة الملازمة بين وجوب شيء ووجوب مقدّمته تبعيّة وجوب المقدّمة في الإطلاق والاشتراط وجوب ذيها ، فكيف يقيّد في هذا ويطلق في ذاك؟! وأمّا دخل التوصّل إلى ذي المقدّمة ، أو قصد التوصّل إليه في الوجوب أو في الواجب فتوضيح فساده يحتاج إلى بسط في الكلام.
فاعلم أنّ القول بوجوب المقدّمة الموصلة يحتمل أمورا :
الأوّل : أن يكون الإيصال شرطا للوجوب على سبيل الشرط المقارن.
الثاني : أن يكون شرطا له على سبيل الشرط المتأخّر.
الثالث : أن يكون شرطا للواجب على وجه يجب تحصيله.
الرابع : أن يكون شرطا له على نحو لا يجب تحصيله ، كالشرط في الواجب المطلق.
والكلّ باطل.
أمّا الأوّل ، فباستلزامه طلب الحاصل ؛ إذ قبل الشرط لا طلب وبعده المطلوب حاصل.
وأمّا الثاني ، فبلزوم الاختلاف بين الوجوبين في الإطلاق والاشتراط. واعتبار توافقهما أوضح من أصل الملازمة.
وأمّا الثالث ، فباستلزامه التسلسل في الواجبات المترشّحة ، فمن الواجب إلى المقدّمة ومنها إلى الواجب وهكذا ؛ وذلك لأنّ الواجب يصبح بعد الاشتراط المذكور مقدّمة لمقدّمته ؛ لإناطة وصف الإيصال المعتبر في المقدّمة بوجود نفس الواجب ، فيجب نفس الواجب مقدّمة لمقدّمته ، فلا يزال هكذا يتداول الوجوب بين الواجب ومقدّمته إلى ما لا يقف لحدّ.