وأمّا الرابع ، فبالمحذور الذي ذكرناه في الثاني.
إلّا أن يقال : إنّ الشرط هاهنا للواجب لا للوجوب فالتوافق بين الحكمين في الإطلاق والاشتراط يكون على حاله.
وربما يورد (١) على القول بالمقدّمة الموصلة بأنّ الإيصال ليس أثرا لمجموع المقدّمات ـ فضلا عن بعضها ـ عدا الأفعال التوليديّة ، فكيف يكون غرضا من الأمر بالمقدّمة؟!
وهذا إنّما يرد على من أوجب مطلق المقدّمة لغرض الإيصال لا من أوجب خصوص المقدّمة الموصلة لغرض من الإيصال ؛ فإنّ الغرض على هذا يطابق الواجب لا يزيد عليه ولا ينقص. مع أنّ إنكار كون الغرض هو الإيصال ودعوى أنّه التمكّن من الواجب برفع ما في عدم تلك المقدّمة من التعذّر ؛ لأنّه المترتّب على المقدّمة دون الوصول الفعلي ، مساوق للقول بالوجوب النفسي للمقدّمات ، أو هو كرّ على ما فرّ منه ؛ فإنّ التمكّن إن كان هو الغرض الأقصى بلا نظر إلى الوصول الفعلي ، كان هو الأوّل ، وإن كان الغرض من التمكّن هو الوصول الفعلي ، كان هو الثاني وكان قولا بالمقدّمة الموصلة.
والتحقيق في أصل وجوب المقدّمة ـ وبه يتّضح حال المقام ـ هو : أنّ مناط وجوب المقدّمة هو بعينه مناط وجوب ذيها ، فالملاكات التي أوجبت إيجاب الواجبات النفسيّة هي التي أوجبت إيجاب الواجبات الغيريّة ، فكما أنّ الصلاة وجبت بمناط النهي عن الفحشاء كذلك مقدّماتها وجبت بمناط النهي عن الفحشاء. بل في مرتبة واحدة يتولّد الأمر من تلك المناطات إلى كلّ محصّلات تلك المناطات ـ طوليّة وعرضيّة ـ بلا سبق ولحوق بأن يتولّد الأمر ابتداء إلى المحصّل بلا واسطة ، ثم يتولّد الأمر من المحصّل بلا واسطة إلى المحصّل مع الواسطة أعني المقدّمات.
بل أقول : إنّ الأمر أمر واحد متوجّه إلى مجموع ما هو المحصّل للغرض وكلّ ما هو دخيل في حصول الغرض بحيث لو لم يوجد لم يحصل الغرض. فحال المقدّمات وكيفيّة دخولها تحت الأمر هو حال الأجزاء العرضيّة للمركّب المأمور به ، يعني كما أنّ أمر الأجزاء نفسي ، كذلك أمر المقدّمات نفسي ، فكان مجموع الأجزاء للواجب بمقدّماتها بعيدة وقريبة ،
__________________
(١) انظر كفاية الأصول : ١١٩.