الله تعالى الكونية والقرآنية ، والتفكير فى النفس وفى الحس ، كل ذلك من دلائل الإعجاز وسره.
ولقد قال سبحانه فى ذلك : (وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً) (٤١) [الإسراء : ٤١] ، أى أن التصرف لزيادة التنبيه ، وكلما زاد تنبيههم بالحق وإرشادهم ازدادوا نفورا ، فزادوا كفرا ، وقال تعالى : (وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) (٨٩) [الإسراء : ٨٩] ، أى أن الله تعالى صرّف فى القرآن بضرب الأمثال وبيان الأحوال ، رجاء أن يؤمنوا ، ولكن سبق الكفر إليهم جعلهم يأبون الإيمان بالله والخضوع له ، فزادوا نفورا عن الحقائق ، كما ينفر المريض السقيم عن الدواء الناجع ، والغذاء الصالح ، وقال تعالى : (وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً) (٥٤) [الكهف : ٥٤] ، ذكر الله تعالى أنه يصرف القرآن بذكر الأمثال والأحوال ، ولكن الذين سبق الضلال إليهم يجادلون ، والجدل فى الحق الواضح المبين يطمس الحقائق ، ويطفئ النور ، ويختفى نور الحق وسط الأقوال المتضاربة والأهواء المتنازعة.
وقال تعالى : (وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً) (١١٣) [طه : ١١٣].
وقال تعالى : (انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ) [الأنعام : ٤٦].
وقال تعالى : (انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) [الأنعام : ٦٥].
وقال تعالى : (وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (١٠٥) [الأنعام : ١٠٥] ، أى نصرف الآيات ليفقهوه ويدركوا الحق إن كانوا غير ضالين ، ولم يطمس على قلوبهم ، وليقولوا درست وتعلمت ويكذبوا أن طمس على قلوبهم ولم يؤمنوا بالحق ، كما قالوا يعلمه غيره ، ورد تعالى عليهم بقوله : (لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) [النحل : ١٠٣] ، وقال تعالى : (كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ) [الأعراف : ٥٨].
٧٢ ـ وبهذه النصوص الكريمة تبين أن القرآن كان يصرف الآيات ، بمعنى أنه يتضمن الأمر بالتوحيد والتكليفات الشرعية التى بها صلاح المجتمع وتكوين مدينة فاضلة تحترم فيها حقوق الإنسان احتراما كاملا ، بأوجه مختلفة من البيان ، من تهديد وإنذار ، إلى تبشير وتوبيخ واستنكار ، ودعوة إلى التأمل فى خلق الله تعالى ، وفى الأنفس ، ومن قصص يدركها أولو الألباب لسياق العبر والمثلات ، وهكذا تتنوع أساليب القول ومناهج التأثير ، لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.