روى الترمذى بسنده عن على بن أبى طالب رضى الله عنه ، وكرم وجهه فى الجنة أنه قال : «سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : ستكون فتن كقطع الليل المظلم ، قلت : يا رسول الله وما المخرج منها؟ قال : كتاب الله تبارك وتعالى فيه نبأ من قبلكم ، وخبر ما بعدكم ، وحكم ما بينكم ، هو الفصل ليس بالهزل ، من تركه من جبار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى فى غيره أضله الله ، هو حبل الله المتين ، ونوره المبين ، والذكر الحكيم ، والصراط المستقيم ، وهو الذى لا تزيغ به الأهواء ، ولا تلتبس به الألسنة ، ولا تتشعب معه الآراء ، ولا يشبع منه العلماء ، ولا يمله الأتقياء ، ولا يخلق على كثرة الرد ، ولا تنقضى عجائبه ، وهو الذى لم تنته الجن إذ سمعته أن قالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدى إلى الرشد ، من علم علمه سبق ، ومن قال به صدق ، ومن حكم به عدل ، ومن عمل به أجر ، ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم ، خذها إليك يا أعور».
وقد رواه الحارث الهمذانى برواية الترمذى ، وقد حسن رواية الحارث كثيرون من المحدثين ، منهم الفقيه المحدث ابن عبد البر ، وإن الذين اتهموا حارثا فيهم نزعة أموية ، ومنهم الشعبى ، وقد قال فيه ابن عبد البر : «أظن الشعبى عوقب لقوله فى الحارث الهمذانى : حدثنى الحارث وكان أحد الكاذبين».
وإنه فى معنى هذا الحديث ما روى عن عبد الله بن مسعود رضى الله تعالى عنه ، إذ جاء أنه فيما روى عنه «إن هذا القرآن مأدبة الله تعالى فتعلموا من مأدبته ما استطعتم ، إن هذا القرآن هو حبل الله والنور المبين ، والشفاء النافع ، عصمة من تمسك به ، ونجاة من اتبعه ، لا يعوج فيقوم ، ولا يزيغ فيستعتب ، ولا تنقضى عجائبه ، فاتلوه فإن الله يأجركم على تلاوته بكل حرف عشر حسنات».
وإن هذه الأخبار ومثلها كثير تدل على منزلة القرآن فى الإسلام ، وأنه العصمة من الزيغ ، وأنه المرجع المتبع ، وأنه يشتمل على شرائع الإسلام كلها ، وأنه بذلك هو الحكم بين الناس الذى لا يضل حكمه ، وأن من تركه من جبار قصم الله تعالى ظهره ، وأنه لا تتشعب الآراء فى حقيقته إذا استقامت الأفهام ، ولم تضل المدارك.
والعلماء يجدون فيه المعين الذى لا ينضب ، والثروة الإسلامية التى لا تنفد. فيه حكم الأمور كلها ما وقع وما لم يقع ، وأن كل ما فيه حق ، وأنه مصلحة الدنيا والأخرى ، ما من خبر إلا له فى القرآن أصل معتمد ، ونص يمكن الحمل عليه ، فما ترك الله الإنسان سدى. وقد قال تعالى وقوله الحق : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) [سورة الأنعام : ٣٨]. وفيه عبر الماضين وأخبار كل النبيين ، فهو كتاب الله الكامل ،