وتركه إحياء فلم يسترسل رسول الله الفطين الأريب فى تعريف للموت والحياة ، بل عمد إلى ما يفحمه حسيا ، فبهت الذى كفر والله لا يهدى القوم الظالمين.
ومن هذا نرى أنه ليس ثمة تكرار فى المعانى والعبر والعظات وإن كان الموضوع فى الأحوال الثلاث يتعلق بإبراهيم عليهالسلام.
(جـ) ولننتقل إلى قصة أخرى موضوعها يتعلق أيضا بإبراهيم عليهالسلام ، وهو تدرج النفس الإنسانية فى الاتجاه إلى طلب الحقيقة الإلهية ، والإيمان بالوحدانية. كيف ابتدأ إبراهيم عليهالسلام تأمله فى الكون ليتعرف من الوجود سر الوجود ، وعظمة الخالق ، فأول ما استرعاه نجم ساطع تألق ، فحسبه ربه ، ولكن الرب موجود دائما ، فلما غاب نفر مما زعم ، ثم رأى القمر ، فحسبه كذلك ، ثم رأى الشمس ، وهكذا حتى هدى إلى أن سر الوجود يجب أن يكون غير هذا كله ، فاتجه إلى الله ، وإليك القصة كما ذكرها القرآن ، وكما وقعت ، قال تعالى : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٧٤) وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (٧٥) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (٧٦) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (٧٧) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٧٨) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٧٩) وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللهِ وَقَدْ هَدانِ وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ) (٨٠) [الأنعام : ٧٤ ـ ٨٠].
ونرى من القصة أنها مغايرة تمام المغايرة لما سبق ، وإن كانت غير معارضة لها ، بل هى متممة ، ولا تكرار فى القصص ، إنما الموضوع وهو إبراهيم عليهالسلام هو المتكرر ، ونرى أنه ابتدأ بنفى عبادة الأصنام على أساس أن البديهة تدعو إلى ذلك ، وأن ضلال العقل هو الذى يؤدى إلى عبادتها ، ثم أخذ يبين أن طريق اليقين يبتدئ بالشك فى صدق ما تضل فيه الأفهام ، فأخذ يعرض على عقله ما يتصور أن يكون فيه نفع ، فاتجه إلى الكوكب السارى ثم إلى القمر المنير ، ثم إلى الشمس السراج ، فوجد أن كل ذلك يأفل ، ويجرى عليه تغير ، فاتجه إلى خالق ذلك كله ، ولذلك يقول بعض العلماء ، ومنهم ابن حزم الظاهرى أن إدراك الله ضرورى إذا استقامت الفطرة ، ولم تركس فى ضلال الأوهام.
(د) انتقل سيدنا الخليل من الاهتداء إلى الله تعالى إلى عمل إيجابى نحو الأصنام ، دفعه الشباب ونور الله إلى أن يحطمها ، وهذا يجيء فى قصص القرآن الكريم ، فيذكر سبحانه أنه عقب أن نال إبراهيم رشده ، وهو فى حياطة الله ، تقدم