وقد كانت إجابة فرعون أن سألهما عن ربهما فأجابا قائلا أحدهما ومصدقا من الآخر : (قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى (٥٠) قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى (٥١) قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى (٥٢) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى (٥٣) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى) (٥٤) [طه : ٥٠ ـ ٥٤].
وأخذا يذكران أسباب الهداية مبينين حقائق الوجود كله ، ولما تقدم موسى له بالعصا التى قلبت ثعبانا مبينا وقال سبحانه وتعالى : (قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى (٥٧) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً) (٥٨) [طه : ٥٧ ، ٥٨]. التقى السحرة وموسى ، ووقعت المعارك بين الحق يؤيده الله ، والسحر يؤيده الباطل ، والله يطمئن عبده الرسول وقد رأى السحرة فيقول له : (قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى) (٦٨) [طه : ٦٨].
وقد كانت نتيجة المعركة بين الحق والباطل أن خر السحرة ساجدين لله ، وهنا تتجلى الحقيقة ، ويتجلى الفداء فى سبيل الحق والطغيان الفرعونى الذى يستكثر أن من المصريين من يذعن للحق قبل أن يأذن الطاغوت الأثيم ، وينذر بالعذاب (قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى) (٧١).
وهنا تتجلى قوة الإيمان لأنه إذا سكن القلب ، واطمأنت به النفس هان تهديد العباد ولو كان من فرعون ذى الأوتاد ، (قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا (٧٢) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقى (٧٣) إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى (٧٤) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى) (٧٥) [طه : ٧٢ ـ ٧٥].
وينتهى هذا الجزء من قصة موسى وفرعون بأنه مقصد قائم بذاته ، وهو تفصيل اللقاء بين الحق يؤيده الدليل. وبين الباطل يؤيده الطاغوت ، وفيه قوة الإيمان عند المؤمن ، وما جاء من ذكر لآلاء سبق بيان فيها ، فلكى يتخذ من التأييد الأول والوعد به وصدق الوعد دليلا على صدق الوعد الجديد ، وقد اشتدت الشديدة.