وثانيتها : أن الذين آمنوا من الشعب عدد لا يكوّن كثرة تهز ملك فرعون ، وإذا كانوا كثرة لم يذكروا مع فرعون لأنهم فريسته ، فلم ينصروا بكثرتهم دعوة موسى ، وكانوا كشأنهم فيما يتعلق بملوكهم إن خالفوا الحق نافق منهم من ينافق ، وتملق من يتملق ، والشعب وقف موقف النظارة ، ولذلك كانت الهجرة إذ قل النصير المؤيد ، وكثر العدو المناهض.
وثالثتها : أن الله تعالى أجرى على يد موسى معجزات تتصل بمصر الزراعية كما ذكر فى سورة الأعراف ، ولقد ذكر فى السورة موسى وفرعون ، وذكرت هنا كما ذكرت فى غيره العصا والسحرة ، وكررت لأنها المعجزة الكبرى التى تحدى بها ، كما كان القرآن الكريم يذكر كثيرا فى القرآن لأنه المعجزة الكبرى التى جاء بها محمد صلى الله تعالى عليه وسلم ، فقد اختبر الله تعالى آل فرعون بمعجزات زراعية تتعلق بالزرع والضرع ، فقال تعالى : (وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (١٣٠) فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٣١) وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (١٣٢) فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (١٣٣) وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ (١٣٤) فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (١٣٥) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ) (١٣٦) [الأعراف : ١٣٠ ـ ١٣٦].
وهكذا توالت المعجزات حتى بلغت تسعا ، كما قال تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً (١٠١) قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً (١٠٢) فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً (١٠٣) وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً (١٠٤) وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً) (١٠٥) [الإسراء : ١٠١ ـ ١٠٥].
هذه قصة موسى مع فرعون ومع أهل مصر قد ذكرنا جزءا منها ، وهى فى فصول متعددة من أجزاء القرآن الكريم ، ونلاحظ مع بلاغة القصص وقوة تأثيره الذى قد نتكلم عليه من بعد ، أنه لا تكرار فى جزء من القصة فلا يكرر جزء بمعناه فى آيات واحدة ، بل يذكر أيضا بمعناه فى آيات أخرى ، وأن كل جزء من القصة فى معناه وجزئياته وغاياته ومراميه إلى مقصد ، بل لكل جزء معنى سيق له لم يسق له غيره ، وإذا كانت