وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (٢٥) قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) (٢٦) [المائدة : ٢٠ ـ ٢٦].
هذا نص القرآن الكريم فى قصة جبن اليهود وتخاذلهم عن أن يدخلوا الأرض المقدسة التى كتب الله سبحانه وتعالى عليهم أن يدخلوها ، ويجب أن ننبه هنا أن المراد أن الله تعالى كتب عليهم أن يدخلوها ، لا أنه كتبها لهم ملكا دائما مستمرا باقيا ، يطالبون بحقه ، وأن ذلك هو مفهوم الكتابة ، ويستفاد من النص الكريم ذلك ، أن النص الكريم ليس فيه أنه كتبها لهم ، بل كتب فقط عليهم أن يدخلوها ، إذ يقول سبحانه عن طلب موسى منهم الدخول : (يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) ، فالكتابة التى فرضها الله تعالى هى الدخول وهو واجب وليس بحق ، فلم يكتب لهم أرضا ، بل فرض عليهم أمرا بدليل عودة الضمير على الدخول المكتوب لا على الأرض.
وإن منطق الحوادث يوجب عليهم أن يدخلوها ، ليقيموا فيها شعائر الموسوية ، إذ إنهم خرجوا من مصر لعدم صلاحيتها لأن تقوم فيها شرائع موسى ، كما لم تصلح مكة لأن تكون موطن الشرع الإسلامى إلا بعد تحطيم الأوثان ، وأن يمنع المشركون من دخولها ، لأنهم نجس لا يدخلون المسجد الحرام بعد عامهم.
وإن دخولهم فيها كان لأجل إقامة التوراة فيها ، وجعلها الحكم الذى لا ترد حكومته ، وما كانت لذواتهم ، فلم تكن لأنهم بنو إسرائيل ، بحيث يكون الاستحقاق ذاتيا ، أو ميراثا يرثه الأخلاف عن الأسلاف ، وقد انتهى عهد موسى ، وانتهى شرعه ، وحالت أحوالهم وتغيرت أمورهم وليست الأرض ميراثا يؤخذ. إنما الأمر هو الدخول لإقامة الشريعة الموسوية ، وقد نسخت بشريعة محمد ، فصارت الخلافة النبوية إلى محمد خاتم النبيين ، فقومه الذين يقيمون شرع الله هم أهلها ، والذين يجب عليهم أن يدخلوها آمنين مطمئنين ، فليست أرض الله ميراثا يورث للذوات ، إنما هى مقام الشرع الناسخ لا المنسوخ.
ويلاحظ من بعد ذلك أمور ثلاثة قد أشارت إليها الآيات الكريمات :
أولها ـ أن الاسترخاء والضعف النفسى قد أصابهم بسبب ترفهم أولا ، واستضعافهم ثانيا ، وطغيان فرعون فى حكمهم ثالثا ، وبأنهم حرموا حب الفداء ، وإذا حرم قوم حب الفداء هانت عليهم أنفسهم ورزقوا الوهن ؛ وكذلك بنو إسرائيل ، فقد خافوا من غير مخوف ، وماتت فيهم النخوة ، كما تدل الآيات الكريمات.