إن القصص القرآنى فيه العبرة ، وما ذكرت قصة إلا كان معها عبرة أو عبر ، وفيها المثلات لمن عصوا وتركوا أمر ربهم ، وفيها بيان ما نزل بالأقوياء الذين غرهم الغرور ، والجبابرة الذين طغوا فى البلاد وأكثروا فيها الفساد ، والله من ورائهم محيط.
وإن القصص فيه إيناس صاحب الرسالة المحمدية بأخبار إخوانه من المصطفين الأخيار ، وإثبات قوله ، فقد كانت تلك الأخبار الصادقة ما كانت لتعليم إلا لمن شاهد ، وما شاهد أحداثها وهو لا يزال فى بطن الغيب ، كما قال سبحانه وتعالى عقب قصة مريم : (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ) (٤٤) [آل عمران : ٤٤]. وكما قال تعالى فى قصة موسى عليهالسلام ووقائعها ، فقد قال تعالى : (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٤٤) وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٤٥) وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (٤٦) [القصص : ٤٤ ـ ٤٦].
لم يكن محمد مشاهدا الأحداث التى جاء القرآن الكريم بقصصها ، وهى صادقة ، وثابتة فى الصادق من أخبار النبيين فى كتبهم التى يتداولها أهل الكتاب ، ولم يتناولها التحريف.
ولم يكن بمكة مدرسة لاهوت ، بل لم يكن بمكة يهود ، ولا نصارى إلا خمار ألحدوا بأن النبى صلىاللهعليهوسلم أخذ منه كذبا وبهتانا ، فقال الله تعالى ردا عليهم : (لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) [النحل : ١٠٣].
وكانت مكة بلدا أميا ، ليس به علم ، ولا رياسات ، إلا مباريات رئاسية فى البيان ، وكان محمد صلىاللهعليهوسلم أميا لا يقرأ ولا يكتب ، وقد قال الله تعالى وهو أصدق القائلين : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) (٤٨) [العنكبوت : ٤٨]
لذلك نقول : إن القصص القرآنى ذاته فيه إعجاز ذكره الكتاب جاء على لسان أمى لا يقرأ ولا يكتب ، إذ هو النبى الأمى يجدونه مكتوبا عندهم فى التوراة والإنجيل.
ويتساءل أى تال للقرآن : من أين جاء محمد بهذا القصص الحق ، وهو لم يشاهد وقائعه ، ولم يقرأها ، لأنه لم يكن قارئا؟ إنه من عند الله العزيز الحكيم علام الغيوب ، وبذلك كان القصص الصادق من التحدى.