وإنك لترى الدعوة إلى التوحيد واضحة فى قصة يوسف عليهالسلام ، فهو فى السجن يدعو إلى التوحيد وعبادة الله وحده ، ويجعل سلواه وهو فى السجن الدعوة إلى الوحدانية ، وسوق الأدلة ، فالله تعالى يحكى عنه أنه يقول لصاحبيه فى السجن : (قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (٣٧) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (٣٨) يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (٣٩) ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (٤٠). [يوسف : ٣٧ ـ ٤٠]
انظر إلى الاستدلال القيم على أن الواحد الأحد خير من أرباب متفرقين ، يتيه العقل فيهم ، وأنهم لا حقائق لهم تتعلق بالألوهية ، ثم يذكر ذلك عقب أن بين تأويل ما عجز عنه المؤولون من رؤى ، وقال أنه قد علمه ربه.
ثم انظر إلى هذا القصص ، وذكر التوحيد يجيء فى أثناء السجن بسبب فرية نسائية افترينها عليه ، ويجيء فى وسط قصة نسوة المدينة ، أنه يكون طريفا ، فيكون له تأثيرا أقوى وأشد.
٨٤ ـ وليس القصص القرآنى فيه إثبات أن الله وحده هو المستحق للعبادة ، وبطلان عبادة الأوثان التى هى أسماء سموها هم وآباؤهم ما أنزل الله تعالى بها من سلطان ، بل فيها إثبات الوحدانية أمام الذين يدعون ألوهية المسيح عليهالسلام.
واقرأ قصة عيسى عليهالسلام ، فإن فيها الدليل على أنه ليس إلا عبدا لله تعالى ، ولقد قال سبحانه وتعالى فى ذلك : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً (١٧١) لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً) (١٧٢). [النساء : ١٧١ ـ ١٧٢]
ونرى من هذا أن ذكر قصة عيسى أو ذكر جزء منها اختص ببيان وحدانية الله وإثبات بطلان أن الله تعالى ثالث ثلاثة ، وساق الدليل ، وهو أن الله تعالى خالق كل شىء وله ما فى السموات والأرض ، وصلة كل مخلوق كمثيله وإن اختلف طريق غيره ،