يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (١١٦) ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (١١٧) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (١١٨). [المائدة : ١١٦ ـ ١١٨]
وهنا نجد تلك المجاوبة التى أعلمنا سبحانه وتعالى أنها ستكون بينه وبين المسيح عيسى ابن مريم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم ، كان الاستفهام فيها لبيان استحالة أن ابن مريم قال لهم اعبدونى وأمى واتخذونا إلهين من دون الله ، ولذلك جاءت الإجابة على السؤال باستحالة موضوعه ، وأنه ما كان ولا يمكن أن يكون من عبد الله ورسوله عيسى عليهالسلام.
٩٦ ـ ومن الصيغ الاستفهامية تلك التى تجىء فى القرآن الكريم ما يكون للإفحام والرد. كالرد بالصيغة الاستفهامية. إذ يقول سبحانه وتعالى عنهم : (وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (١٨). [المائدة : ١٨]
وإن ذلك الاستفهام مع دلالته على استنكار قولهم فيه دلالتان أخريان :
إحداهما : إعلامهم بأنه سيعذبهم بذنوبهم وأنهم مأخوذون بما يقترفون من سيئات ، وما يجترحون من مآثم ومظالم.
الثانية : الدلالة على أن عمل الخير له ثوابه ، وعمل السوء له عقابه ، وأن من يقول غير ذلك فهو مبطل ، وما كان لهم أن يدعوا محبة الله ، وأنهم منه بمنزلة الأبناء من الآباء ومع ذلك يعصونه ، وينشرون فى الأرض الفساد.
فهذا استفهام مع ما فيه من إحكام واستنكار يتضمن معانى سامية فيها التهديد لمن عصى ، والتبشير لمن أطاع.
وهناك لون من ألوان الاستنكار تراه منصبا على المساواة الظالمة بين الخير الأدنى ، وما هو أعلى منه ، كما فى قوله تعالى : (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (١٩) [التوبة : ١٩].