الراجح فى نظرى فيكون لإنكار الوقوع وإنكار الواقع ، وإذا كانوا يوبخون لأنهم لم ينظروا ، فالتوبيخ يكون دعوة للفعل ، وحثا على النظر.
ومن الاستفهام الداخل على النفى ، قوله تعالى فى قصة القرآن عن أنبائهم : (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللهُ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (٩) قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [إبراهيم : ٩ ، ١٠] ونجد فى الاستفهام الذى صدرت به الآية الكريمة أن همزة الاستفهام دخلت على (لم) النافية ، فكان موضع الاستفهام عدم إتيان نبأ الذين من قلبهم ، ولو سرنا على ما يقتضيه السياق اللفظى للنص السامى يكون الاستفهام عن عدم الوقوع ومعناه أنه لم يأتكم ، وإذا كان الاستفهام للتقرير أو التنبيه فمؤداه أنه لم يأتكم ذلك ، وفى هذا تشويق لمعرفته ، وتوجيه لطلبه ، ولذلك جاء من بعد ذلك النبأ عن الرسل السابقين ، ويكون فى هذا تثبيت الخبر لمن يطلبه مصغيا إلى حقائقه معتبرا بعبره.
ولقد جرت بين كتاب علم البلاغة كلمة : نفى النفى إثبات ، ويطبقونه على استفهام يدخل على فعل منفى فيكون الاستفهام داخلا على منفى ، والاستفهام نفى ، فيكون نفيا لنفى ، ونفى النفى إثبات ، وإن ذلك يسير إذا كان الاستفهام للإنكار ، إنكار الوقوع ، فيكون إنكارا للمنفى فيكون إثباتا ، وقد قلنا أنه حتى فى هذه الحال ، لا يخلو الاستفهام من تنبيه ، وإقرار بما جاء الاستفهام عنه ، ولكن الاستفهام الداخل على النفى يتضمن الحث على طلب الأمر المنفى الذى دخل عليه الاستفهام كما رأيت فى قوله تعالى : (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ) كما تلونا من قبل ، وقد يكون إلى تلقى علم ما نفى فى حيز الاستفهام كما رأيت فى الآية السابقة.
وقد يتضمن الحث على العمل ، والتحريض عليه إذا كان ذلك العمل غير محقق فى الوجود ، أو هناك شروع فى تحقيقه ، وذلك يكون غالبا عند نفى الأمر المستقبل كما نرى فى قوله تعالى : (أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣) قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (١٤) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (١٥) [التوبة : ١٣ ـ ١٥].
ونرى من ذلك أن الاستفهام دخل على النفى ، وهو عدم القتال أو عدم الأهبة له ، والاستعداد للتقدم ، فالمستفهم عنه عدم القتال والاستعداد له وقد وجدت أسبابه ، وتعددت موجباته ، فكان الاستنكار منصبا على النفى ، والاستنكار لحال مستمرة حث