بذل مجهودا فى طلب الضوء ، وعالج الأمور فى طلب الوقود ، حتى وصل إليه بجهد ومشقة ، ولكن ما أن أضاء حتى ثبت أنه لم يكن فى الضوء فائدة له ، فلم ير النور الذى طلبه ، وأصم أذنه عن الحق ، وانقبض لسانه فلم ينطق بحق ، والبيان القرآنى الكريم صور ذلك كأنك تراه لا تقرؤه ، تعالت كلمات الله.
والتشبيه بما تضمن من تشبيه فى آخره ، يريك صورة الضعف ، وما يحدثه النفاق فى النفوس من ضعف يجعلها تطير حول كل مطار ، ولا تطمئن على قرار ، فهى تسير برعونة نحو المطامع ، وتستخذى وتذل أمام المفازع ، وقد شبههم بقوم نزل عليهم مطر ينصب انصبابا ، والظلمات قد صارت كسقف مرفوع فوقهم ، والرعد بهزيمه يزعجهم ، والبرق يخطف أبصارهم ، وذلك تصوير كأنه المرئى ، وتبيين لمعنى الخوف والاضطراب الذى يسكن قلوبهم ، ويجعلهم بين خوف يؤرقهم ، ومطامع تحركهم ، والشر يحوط بهم فى كل أحوالهم.
الأمر الثالث : الذى نجده فى تشبيهات القرآن أننا نجده يقرب المعانى ، ويأخذ من التشبيهات الأدلة المفرقة بين الحق والباطل ، اقرأ قوله تعالى : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٧٥) وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٧٦) [النحل : ٧٥ ، ٧٦].
ونرى أن التشبيه الأول من قبيل التمثيل ، وهو تشبيه حال من يعبد الأصنام إذ يسوى بينها وبين الخلاق العليم ـ بحال من يجعل العبد المملوك الذى لا يقدر على شىء ، بحال من رزقه الله تعالى رزقا حسنا ، وهما لا يستويان حالا وشأنا ، والنتيجة لا يستوى صنم لا يقدر على شىء بالله تعالى الذى يملك الوجود كله ، وهو على كل شىء قدير.
وفى التشبيه الثانى كان التشبيه بين حال المشركين فى تسويتهم بين الله القادر ، والحجر الذى لا يضر ولا ينفع ، وحال من يسوى بين رجل أبكم وهو كل ، وبين رجل ينطق بالحكم ويقيم العدل لا يستويان ، فلا تصح عبادة الأوثان وتسويتها بالله.
وإن الله سبحانه وتعالى يقرب الحقائق بين قوم حسيين بالمحسوسات ، يضرب الأمثال بالتشبيهات لتقريب الحقائق ، وتوضيح الأدلة بما يقربها ، ولو كان ذلك بالأشياء التى يستحقرها المشركون ، وهى فى ذاتها ليست بحقيرة ولكنها جليلة ، لأنها من خلق الله تعالى ، ولقد قال الله تعالى فى ذلك : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً