حتى وجدت آيتين من سورة التوبة مع خزيمة الأنصارى ، لم أجدهما مع غيره. (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) [التوبة : ١٢٨].
والآية الأخرى التى لم يجدها إلا عند خزيمة أيضا جاء فيها عنه فى رواية البخارى أيضا : وعن زيد بن ثابت لما نسخنا فى المصاحف فقدت آية من سورة الأحزاب كنت أسمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقرؤها ، لم أجدها مع أحد إلا مع خزيمة الأنصارى الذى جعل الله تعالى شهادته بشهادة رجلين (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ) [الأحزاب : ٢٣] ، وقد علق على ذلك القرطبى فكانت الأولى من سورة براءة فى الجمع الأول على ما قاله البخارى والترمذى ، وفى الجمع الثانى فقدت آية من سورة الأحزاب.
وهذا يدل على أن الجمع الثانى اتبع فيه ما اتبع فى الجمع الأول بالبحث عن الآيات مكتوبة فى عصر النبى صلىاللهعليهوسلم ، وأن يشهد اثنان بكتابتها فى عصره ، أو توجد عند اثنين ، فوجودها عندهما شهادتان ، والجمع الثانى كان فى عهد عثمان.
ولكن قد يسأل سائل : لما ذا كان نصاب الشهادة كاملا فى الجمع الذى حدث فى عهد أبى بكر ، ثم لم يوجد النصاب فى بعض الآى عند الجمع الثانى؟
نقول أن فرض ذلك يتحقق بغياب أحد ركنى النصاب عن المدينة ، أو موته ولكن الله تعالى حافظ كتابه فى هذا الوجود كوعده بحفظه وأنه منجز ما وعد : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (٩) [الحجر : ٩] ، ولذلك كان الشاهد فى الثانى هو الشاهد فى الأول ، وهو خزيمة الأنصارى الذى جعل النبى صلىاللهعليهوسلم شهادته باثنين ، فالنصاب كان كاملا.
١٢ ـ ولا نترك الكلام فى هذا العمل الجليل الذى اشترك فيه أبو بكر وعمر ، وحمل عبأه زيد بن ثابت مع جمع من المهاجرين والأنصار ، من غير أن نقرر حقيقتين ثابتتين ، تدلان على إجماع الأمة كلها على حماية القرآن الكريم من التحريف والتغيير والتبديل وأنه مصون بصيانة الله سبحانه وتعالى له ، ومحفوظ بحفظه ، وإلهام المؤمنين بالقيام عليه وحياطته.
الحقيقة الأولى : أن عمل زيد رضى الله عنه لم يكن كتابة مبتدأة ، ولكنه إعادة لمكتوب ، فقد كتب كله فى عصر النبى صلىاللهعليهوسلم ، وعمل زيد الابتدائى هو البحث عن الرقاع والعظام التى كان قد كتب عليها والتأكد من سلامتها ، بأمرين : بشهادة اثنين على الرقعة التى توجد فيها الآية أو الآيتان أو الآيات ، وبحفظ زيد نفسه وبالحافظين من الصحابة ، وقد كانوا الجم الغفير والعدد الكبير ، فما كان لأحد أن يقول : إن زيدا كتب من غير أصل مادى قائم ، بل إنه أخذ من أصل قائم ثابت مادى.