الشمس ، وأصبحت لا تساوى بجوار القرآن شيئا ، وإن الذين يسيئون إلى كل كلام بليغ مهما تكن درجته هم الذين يضعونه بجوار القرآن ، وأنى يكون كلام بجوار كلام خالق البشر ، وأنى يكون كلام ابن الأرض بجوار كلام الله فى اللوح المحفوظ.
وإننا مهما نحاول تعارف أسرار البلاغة فى القرآن ، فلن نصل إلى كلام محكم ، كمن يحاول معرفة الروح ، فهى من أمر الله تعالى ، نعرف مظاهر الحياة منها ، ولكن لا نعرف كنهها ، فنحن نعلم علو القرآن وإعجازه وامتيازه ، وأنه لا يحاكى ، ولكن لا نستطيع أن نعرف سر هذه الروعة التى يحسها كل قارئ مدرك.
ولعل من التوفيق للباقلانى أن جاء بأبلغ كلام ووضعه بجوار كلامه سبحانه ، فبدا بجواره هزيلا ، مهما تكن درجته فى البيان ، وذلك أمر ظاهر ، لم يجيء الإعجاز بصرف ، ولكن بإدراك المقام البلاغى للقرآن وإن لم يعرف السر كاملا.
ونعود إلى ذات الخطبة نجدها صادقة كل الصدق فى وصف أبى بكر خليفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأنها وصلت إلى أقصى الغاية فى مناقبه ، وفى مقامه من النبى صلىاللهعليهوسلم ، وفى مواقفه فى حياة النبى صلىاللهعليهوسلم ، ومواقفه إذ انتقل عليه الصلاة والسلام إلى الرفيق الأعلى ، فقد أنقذ الإسلام عند الصدمة الأولى ، وهى حالة الردة.
والخطبة العلوية هذه فيها وصف الحاكم العادل ، كيف يكون رحيما برعيته. مصدر أمن ، لا مصدر إزعاج ، متطامنا لهم ، قريبا من أنفسهم ، لا يطمع القوى فى حيفه ، ولا ييئس الضعيف من عدله.
وقد ذكرنا هذه الخطبة أيضا لنشير إلى الينابيع البيانية التى استقى منها القول فى إعجاز القرآن ، وهو أساس لكل كلام محكم.
ومن معرفة بلاغة القول أن نعرف المواضع التى بنى عليها الاستدلال ، ونحن هنا نريد ابتداء أن نعرف المنهاج القرآنى للاستدلال ، والأصول التى بنى عليها استدلاله فى نظرنا القصير ، وإن كان فى كل ما يتعلق بالبيان عن المثيل ولا يمكن أن يكون له مثيل.
١٤٢ ـ وإن رجال البيان فى بيان مناهج الخطب واستدلالها يتكلمون فى الينابيع التى يستقى منها الخطيب أدلته أو براهينه ، ونحن مع إقرارنا بأن منهاج القرآن أعلى من الخطابة ، كما هو أعلى من الشعر والسجع ، نرى أن نستعير من علماء البلاغة كلاما فى مصادر الاستدلال ، ونريد أن نتعرف المصادر الذاتية التى بنى القرآن الكريم استدلاله عليها ، وإن كان مقامه أعلى وأعظم ، وهو معجز فى ذاته ، وليس ككلام البشر ، وإن بنى على حروف البشر وألفاظهم ، ومن جنس كلامهم.
ويقولون : إن الاستدلال الذى يستمد من مصادر ذاتية ، أى تؤخذ من ذات الموضوع ، وهى أشبه بالبرهان المنطقى ، وإن كانت أعلى ، وهى ستة مواضع أو ينابيع :