وفى الدعوى الثالثة ادعاء الاشتراك فى الخلق والتكوين بالزعم لا بالحقيقة وهذه باطلة بل الله خالق كل شىء وهو الواحد القهار ، وبذلك يتحقق الحكم فيما هو صادق واقع ، لا فيما هو مزعوم مختلق.
ومن المقابلات القرآنية التى دلت على البعث ، وكان فيها رد على أوهام للكافرين فى قوله تعالى :
(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٣) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) (٣٤) [الأحقاف : ٣٣ ، ٣٤].
ونرى هنا استدلالا على أن البعث ممكن فى ذاته ، والتصديق به واجب ، لأن الله تعالى أخبر به على لسان نبيه الكريم وفى كتابه المكنون ، إذ جاء به القرآن الكريم ، ودعا إليه محمد الأمين.
وكان الاستدلال بطريق المقابلة ، وكانت المقابلة بين إنشاء الأحياء ابتداء والخلق والتكوين من غير سابق ، وأن القدرة فيه كانت ، ولم يعى بخلقهن ، وبين الإعادة للأجسام التى خلقت ثم صارت رميما ، وأنه إذا كانت قد وجدت ، فالثانية قد تجىء ، وهى تجىء إذ أخبر بها العزيز الحميد ، القادر على كل شىء.
وأنه بهذه المقابلة ، بين الإنشاء والإعادة ، وبين الخلق من غير أصل سابق ، والإعادة ينتهى به ذو العقل الرشيد إلى الحكم بأن البعث ممكن فى ذاته ، وأنه واجب الاعتقاد لأن الله تعالى أخبر به ، (وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) [الرعد : ٥].
ومن الآيات الدالة على أن الله تعالى خالق كل شىء ، واعتمدت الدلالة فيها على المقابلة قوله تعالى : (نَحْنُ خَلَقْناكُمْ فَلَوْ لا تُصَدِّقُونَ (٥٧) أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ (٥٨) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ (٥٩) نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٦٠) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ (٦١) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ (٦٢) أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ (٦٣) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (٦٤) لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (٦٥) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (٦٦) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (٦٧) أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (٦٨) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (٦٩) لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً فَلَوْ لا تَشْكُرُونَ (٧٠) أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (٧١) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ (٧٢) نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ (٧٣) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) (٧٤). [الواقعة : ٥٧ ـ ٧٤]