الناس ، ولأنه مأخوذ بحجج المخالف كان مع عمومه وشيوعه أقل من الاستدلال الخطابى الذى يقوم على إثبات الحقائق من غير تقيد بحجة خصم.
والحجة الخاصة بأقل الناس عند ابن رشد ما يلزم فيه المتكلم بالأقيسة البرهانية ؛ ذلك لأن هذه الأقيسة مجردة خالية من كل تحسين ، وليست متجهة إلى الإقناع وطرائقه من مشاركة وجدانية ، ومن إثارة المشاعر ، ومن اتجاه إلى ما يأمنون من أمور ، وأن التجرد كله لا يكون إلا للخاصة الذين يتجهون إلى الحقائق خلوا من أى تأثير.
ويقول ابن رشد بعد أن أشار إلى الأدلة الخطابية والجدلية والبرهان : ولأن أكثر الشرع مقصوده الأول العناية بالأكثر من غير إغفال لتنبيه الخاصة كانت أكثر الطرق المصرح بها فى الشريعة الإسلامية على أربعة أصناف : أن تكون ـ مع أنها مشتركة ـ خاصة بالأمرين جميعا ، أعنى أن تكون فى التصور والتصديق يقينية مع أنها خطابية أو جدلية ، وهذه المقاييس هى المقاييس التى عرض لمقدماتها مع كونها مشهورة ومظنونة ، أن تكون يقينية وعرض لنتائجها إن قصدت أنفسها دون مثالاتها ، وهذا الصنف من الأقوال الشرعية ليس له تأويل ، والجاحد لها أو المتأول لها كافر ، والصنف الثانى أن تكون المقدمات مع كونها مشهورة أو مظنونة يقينية ، وتكون النتائج مثالات للأمور التى قصد إنتاجها ، وهذا يتطرق إليه التأويل ، والثالث عكس هذا وهو أن تكون النتائج هى الأمور التى قصد إنتاجها نفسها ، وتكون المقدمات مشهورة أو مظنونة من غير أن تعرض لها أن تكون يقينية ، وهذه أيضا لا يتطرق إليها تأويل ، أعنى نتائجها ، وقد يتطرق لمقدماته. والرابع أن تكون مقدماته مشهورة أو مظنونة من غير أن تعرض لها أن تكون يقينية حملها وتكون نتائجه مثالات لما قصد إنتاجه وهذه فرض الخواص فيها التأويل ، وفرض الجمهور على ظاهرها ، وبالجملة فكل ما يتطرق إليه من هذا التأويل لا يدرك إلا بالبرهان ففرض فيه ، وهو ذلك التأويل ، وفرض الجمهور هو جماعها على ظاهرها فى الوجهين جميعا ، أعنى فى التصوير والتصديق ، إذا كان ليس فى طباعهم أكثر من ذلك ، وقد يعرض للنظار فى الشريعة تأويلات من قبل الطرق المشتركة بعضها على بعض فى التصديق.
وأن كلام ابن رشد هو فى مقام الأدلة القرآنية من حيث التصور المنطقى والتصديق وما يترتب على قوة الاستدلال من حيث قبول الحكم الشرعى أو الاعتقادى للتأويل ، ومن حيث قبول الاعتقاد للنظر أو عدم قبوله.
وخلاصة ما قاله بإيضاح أن المقدمات إذا قامت على المشهور أو المظنون ، ولكن بتضافر أنواع الاستدلال ، وتكاثر الطرق ، صارت يقينية من حيث النتيجة ، والنتيجة تثبت حقيقة ثابتة ليس لها مثيل ، فإن النتيجة لا يصح إنكارها ، ومنكرها كافر ،