كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) [الأنبياء : ٣٠] اقرأ هذا وارجع البصر فيها كرتين ، ألا ترى فيها توجيه الأذهان إلى عظيم قدرة الله تعالى وقوة سلطانه على الوجود كله ، وبين سبحانه كيف اخترع وأبدع على غير مثال سبق ، ويثبت بذلك أنه وحده الأحق بالعبادة ، وأن القارئ للقرآن من دهماء الناس يرى فيها علما بما لم يكن يعلم ، قد أدركه بأسهل بيان وأبلغه ، ويرى فيها العالم الفيلسوف الباحث فى نشأة الكون دقة العلم وإحكامه ، وموافقة ما وصل إليه العقل البشرى لما جاء بذلك النص الكريم مع سمو البيان وعلو الدليل فتبارك الذى أنزل القرآن.
واقرأ قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ (١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ (١٤) ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ) (١٦) [المؤمنون : ١٢ ـ ١٦] إلى آخر الآيات الكريمات.
ثم تدبر هذه الآيات البينات تجد أن الأمى يستفيد منها علما غزيرا فوق أنه يعرف منها أن الله سبحانه وتعالى سيبعث الناس يوم القيامة ، فيزداد إيمانا ، كما علم ما لم يكن يعلم ، ويقرؤها العالم بدقائق تكوين الإنسان والدارس للحيوان جرثومة فجنينا ، فحيوانا على ظهر الأرض حيا ، فيرى فيها دقة العلم والتكوين ، وصدق الحكاية ، حتى لقد قرأها بعض كبار الأطباء فى أوربا فاعتقد أن محمدا صلىاللهعليهوسلم أعظم طبيب رأته الأجيال السابقة ، فلما علم أنه كان أميا لا يقرأ ولا يكتب آمن بأن هذا من علم الله تعالى بارئ النسم.
وهكذا يرى القارئ لكتاب الله تعالى ، وما فيه من أدلة أنه قريب من الأمى يفهمه ويعرفه ، ويعلم منه علم ما لم يكن علم ، يدرك منه ما يناسب معرفته ، ويسمو إليه إدراكه ، وما يدركه منه صدق يقينى لا شبهة فيه.
ويرى فيه العالم الباحث حقائق صادقة ما وصل إليها البحث العلمى الحديث إلا بعد تجارب ، ومجهودات عقلية ، وكلما ازداد المتأمل المتبصر فى الآيات التى تتعلق بالكون ازداد استبصارا ، ورأى علما أسمى مما يدركه الإنسان بتجاربه ، وأعلى مما يهتدى إليه الإنسان بعقله المجرد.