اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١١٢) قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ (١١٣) قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (١١٤) قالَ اللهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) (١١٥). [المائدة : ١٠٩ ـ ١١٥]
وهكذا نرى أن هذه الآيات الكريمات ذكرت بعض المعجزات السابقة ، وأضافت إليها معجزتين أخريين :
إحداهما : أنه ينادى الموتى من القبور فتخرج ، وذلك فى قوله تعالى : (وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى).
والثانية : أن الله تعالى أنزل عليهم مائدة من السماء.
١٦٤ ـ ونرى من هذا أن الخوارق للعادات كثرت على يد عيسى عليهالسلام ، وكان وجوده ذاته خارقا للعادة ، إذ ولد من غير أب كما بينا ، وكلها تدل على أن كل شىء فى الوجود هو بإرادة مختار ، فعال لما يريد.
وما كان ذلك إلا إبطالا لنظرية وجود الأشياء بالفلسفة التى سادت فى العصر الأيونى ، ثم انتقلت إلى اليونان ، وأخذت تتسع حتى كانت الأفلاطونية الحديثة التى التقت مع النصرانية المحرفة غير المسيحية الأولى فى نظرية العلّية فجعلت العقل الأول هو الأب ، والعقل الثانى هو الابن. ثم كانت بعد ذلك الروح القدس المنبثقة من الاثنين أو أحدهما.
ووجود المسيح وحياته وما أجراه الله تعالى من خوارق للعادات ، كانت تحيط بكل تصرفاته ، وأعماله ، كل ذلك كان حججا قاطعة مثبتة أن العالم كله مخلوق بإرادة حكيم قادر قهار سميع بصير مريد مختار.
١٧٢ ـ وإن قصة أهل الكهف التى أشرنا إليها فى بعض ما قلناه. وقد حدثت بعد المسيحية ، على ما يبدو من وقائعها ، كانت فيها إرادة الله ظاهرة فى بيان سر هذا الوجود ، وأن الفاعل له مريد مختار لا يتقيد فى إيجاده لخلقه بأن يكون وجود الأشياء مربوطا بالعلة والمعلول ، بل هو مربوط بإرادة حكيم بفعل ما يشاء ويختار ، ولنتلها عليكم ، ولا مانع من تكرار تلاوتها ، إن كنا قد تلوناها هى من قبل.
(أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً (٩) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً (١٠) فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً (١١) ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً (١٢) نَحْنُ نَقُصُ