١٧٥ ـ ولذلك عنى القرآن الكريم بإثبات حقيقة البعث ، وبيان الحال فى الحياة الآخرة ، وكان خطاب القرآن لقوم لا يؤمنون بالبعث ، ولا يدركون إلا الحياة الدنيا ، ويقولون إن هى إلا حياتنا الدنيا ، نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين.
وإن عقيدة البعث لب الإيمان ، وغاية من غايات الرسائل الإلهية ، ولذلك تجد القرآن يحتفى ببيان حقيقة البعث ، وتنبيه العقول إليه ، وما من موضع فى القرآن الكريم ، إلا ذكر فيه البعث وقيام الدليل عليه ، بقياس قدرة الله تعالى على الإعادة على قدرته على الابتداء ، وأن البعث تكون الحياة الدنيا من غيره عبثا لا جدوى فيها كما قال تعالى : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) (١١٥) [المؤمنون : ١١٥].
ولنقبس قبسة من الآيات الكريمة التى تدعو إلى الإيمان بالبعث ، وتبين أن المشركين فى ضلال ، اقرأ قوله تعالى : (وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (٥) [الرعد : ٥].
إنهم يعجبون من أنهم بعد أن يصيروا ترابا يخلقون خلقا جديدا ، بل إنهم يعجبون من أن تدخل أجسامهم بعد البلى فى أجسام أخرى ثم تبعث ، فيبين سبحانه وتعالى قدرته على ذلك ، فيقول تبارك وتعالى :
(قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً (٥٠) أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً (٥١) يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً) (٥٢). [الإسراء : ٥٠ ـ ٥٢]
ولقد يقولون مستغربين : (مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (٧٩) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (٨٠) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (٨١) إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢) فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٨٣) [يس : ٧٨ ـ ٨٣].
وترى من هذا أن الذين ينكرون البعث ينكرون مع ذلك الله تعالى بل ينكرون أصل الرسالة الإلهية إلى خلقه ، اقرأ قوله تعالى فى سورة ق : (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (١) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ (٢) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (٣) قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ (٤) بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ) (٥) [ق : ١ ـ ٥]. ويقول سبحانه : (أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) (١٥) [ق : ١٥].