سبحانه وتعالى : (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ) ، فى كل أعمالكم سواء أكنتم حكاما أم كنتم محكومين ، وأن تكونوا شهداء لله لا لأنفسكم ، ولا لأوليائكم ، والأقربين منكم.
الأمر الثانى : الذى تدل عليه الآية ، أن الإعراض عن الحكم ظلم ، أو تمكين للظالمين ، فالسكوت عن رد الباطل ظلم ، والمؤمن يجب عليه أن يقوم بالحق ، وأن ينصر الحق ، وأن يؤيد الحق حيثما كان.
الأمر الثالث : الذى تدل عليه دلالة صريحة أنه لا طبقية فى الإسلام بالغنى والفقر ، فلا يكرم الغنى لغناه ، ولا يذل الفقير لفقره ، بل الجميع أمام العدالة سواء ، قال تعالى : (وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ) (٧١) [النحل : ٧١].
١٨٥ ـ ولا تفرقة بين العناصر فى تحقيق العدالة ، فالله سبحانه وتعالى خلق الخلق على ألوان مختلفة ، ولكنهم جميعا خلق الله تعالى ، وإن اختلاف الألوان والألسنة من آيات الله تعالى الكبرى ، فهو يقول سبحانه فى كتابه العزيز الخالد بلفظه وحقائقه ، ومعانيه : (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ) (٢٢) [الروم : ٢٢].
والجميع عباد الله تعالى ، فلا يصح أن يظلم زنجى للونه ، ولا يحابى أبيض لشقرته ، ولقد صرح بذلك القرآن الكريم ، فقال تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (١٣) [الحجرات : ١٣].
وإن هذا النص الكريم ينبئ عن ثلاثة معان سامية توجب المساواة بين الأجناس.
لأن الأصل واحد ، وهو الأم ، والأب ، كما قال النبى صلىاللهعليهوسلم : «كلكم لآدم ، وآدم من تراب لا فضل لعربى على أعجمى ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى».
المعنى الثانى : الذى دلت عليه الآية الكريمة أن الاختلاف فى الشعوب والقبائل والأجناس يوجب التعارف ، ولا يسوغ التخالف ، والتعارف يقتضى تعاون أبناء الأرض على استغلال كل ينابيع الثروة فى الأرض ، بحيث يفيض أهل كل إقليم على الآخر بفاضل ما عنده ، من غير بخس ولا شطط ، ومن غير من ولا أذى ، ويقتضى المساواة فى أصل الحقوق الإنسانية الثابتة من اتحاد الأصل ، ويقتضى العدالة ، ولا يرهق جنس آخر بظلم ، أو أذى أو مضايقة أو استعباد.
والمعنى الثالث : الذى يدل عليه النص الكريم ، أن الفضل لا يكون بالجنس والعشيرة ، بل يكون التفاضل بالعمل الصالح ، الذى يتقى به صاحبه وجه الله تعالى ، والذى لا يريد به إلا النفع العام ، ودفع الفساد فى الأرض ، فالإكرام ليس باللون ، ولا