معنى التقرب إلى الله تعالى بالتوبة مقرونة بذلك الجزاء ، ولقربها من العبادات ذكرناها بجوارها ، وفوق ذلك هى درء لتقصير فى العبادات نفسها ، فهى فى هذه جزء منها.
وعلى ذلك نقسمها من هذه الجهة إلى قسمين : أحدهما تعويض عن التقصير فى بعض العبادات ، أو استعمال الرخص ، أو العجز الكامل عن أداء الفرض ، ومن هذا القبيل رخصة الإفطار للمريض بمرض مزمن ، والشيخ الفانى والشيخة إذا عجزا عن الصيام أو كانا لا يصومان إلا بمشقة فوق الطاقة ، وقد ثبتت هذه الفدية بالقرآن الكريم ، قال تعالى فيه : (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ) [البقرة : ١٨٤] أى الذين يبلغون فى صومهم أقصى الطاقة التى لا يمكن المداومة على تحملها ، ولذا قال ابن عباس أنها نزلت فى الشيخ والشيخة إذا شق عليهما الصوم ، ومن الفدية التى تعد كفارة لبعض التقصيرات فى العبادات الهدى فى حال عدم القيام ببعض الواجبات التى لا تعد ركنا من أركان الحج وقد ثبت ذلك بالقرآن الكريم ، وعمل النبى صلىاللهعليهوسلم ومن ذلك كفارة الصيد فى الأشهر الحرم ، وقد ثبتت بالقرآن الكريم ، إذ قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (٩٤) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (٩٥) أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (٩٦) [المائدة : ٩٤ ـ ٩٦].
وهكذا نرى أن الكفارات هنا ثابتة بالقرآن الكريم. وهى فى موضوع ، وهى سد لنقص ، أو لاعتداء فى عمل ما نهى الله تبارك وتعالى عنه.
وبجوار هذا النوع من الكفارات التى كانت درءا لنقص أو لرخصة أو لعدم الاستجابة لأمر وموضوعها العبادة. هناك كفارات أخرى هى فى معنى العبادات فى ذاتها ، ولكنها شرعت لمعنى خلقى أو اجتماعى أو لحقوق العباد وهذا هو القسم الثانى.
ومن ذلك كفارة اليمين ، وهى عتق رقبة ، أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم ، وقد ثبت ذلك بقوله تعالى : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ) [المائدة : ٨٩]