ولهذا التشابه بين السرقة والحرابة قالوا : إن الحرابة هى السرقة الكبرى وتلك التسمية صحيحة ، وإن كان معها جرائم القتل.
وقد يقول الذين يرحمون المجرم ، ولا يرحمون الآمن معترضين على ذلك متعللين بأمرين :
أحدهما ـ أن العقوبة ليست متكافئة مع الجريمة مهما يكن نصاب السرقة ، فهل تقطع يد فى سرقة عشرة دراهم أو ربع دينار كما قال الإمام مالك. ويرددون قول أبى العلاء.
يد بخمس مئين عسجد وديت |
|
ما بالها قطعت فى ربع دينار |
والثانى ـ أن العقوبة فى ذاتها غليظة تكثر من المشوهين الذين تقذى الأعين برؤيتهم.
ونجيب عن الأمرين ، فنقول فى الإجابة عن الأمر الأول ، إنه ليس التساوى بين العقوبة فى الحدود بين الفعل والعقاب ، إنما التساوى بين العقاب ، وآثار الجريمة ، فبالنسبة للسرقة لا يكون التساوى بين المال الذى سرق ، وبين قطع اليد ، إنما ينظر إلى الإفزاع وإزعاج الآمنين فى سرقة تقع فى حى أو قرية ، فكم من حراس يقومون ، وكم من مغالق يحترس بها من السارقين ، فجريمة السرقة ليست آثارها واقعة فقط على المسروق منه بل تتعداه إلى كل من يكونون معه فى الحياة.
والجواب عن الأمر الثانى أن هذه العقوبة لا تقع إلا إذا كان التكرار إذ إنه إذا سرق ابتداء وتاب وأصلح ، ولم يعد يسرق ، فلا تقطع يده.
وإن قطع يد واحدة تمنع السرقة ، فلا يكون ثمة من بعد ما يوجب القطع ، وهناك دولة عربية تقيم حد السرقة ، لا تقطع فى العام يدا أو اثنتين فالقطع يمنع سبب القطع.
وفوق ذلك ، فإن القطع لا يكون إلا حيث تنتفى الشبهات ، فالشبهات تسقط الحدود ، وإن عدد السرقات التى تنتفى فيها الشبهات ، ويجب فيها الحد يقدر بنحو خمسة فى الألف من السرقات التى تقع ، ومن الشبهات التى اعتبرها السلف أن يكون السارق فى حال جوع أو مظنة جوع ، كأن يكون ثمة مجاعة ، فإنه لا يقام الحد للشبهة ، كما فعل الإمام عمر عام المجاعة.
وعلى الذى يستغلظون عقوبة السرقة فى الحدود التى بينا أن يبينوا لنا كم من السرقات قطعت فيها أيدى نساء ورجال لأجل الوصول إلى غاية السارق ، وكم من النفوس أزهقت فى السرقات بالإكراه أو فى إخفاء الجريمة وعدم معرفتها.