لقرب ما بينهما ، ومثل ذلك المغرب والعشاء ، وبذلك يذوق المسلم حلاوة البعد عنها ، كما تعودها من قبل ، وهى شراب غير مرىء.
فكان ذلك النص الكريم تربية للنفس المؤمنة ، وعلاجا لترك أمر مذموم ألفوه بأمر حسن عرفوه وذاقوا حلاوته.
ولم يجد عمر المدرك بنور الله فى ذلك بيانا شافيا ، لأنه يرغب فى نهى قاطع ، لا تردد فيه.
ولقد نزل بعد ذلك الأمر الحاسم القاطع الناهى نهيا لازما فقال تعالى :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠) إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) (٩١).
[المائدة : ٩٠ ، ٩١]
وقد قال علماء البلاغة أن قوله تعالى : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) ، هى أبلغ صيغ النهى ، ويجدر بنا هنا أن ننبه إلى أمرين :
الأمر الأول : أن أهل الجاهلية فى هذا العصر يقولون أنه لم يكن ثمة نص على النهى مثل قوله : «لا تشربوا» وأن ذلك القول التافه كان غير جدير بالالتفات إليه ، ولكن كثر ترداده ، فحق علينا البيان فنقول :
إن النص الكريم شدد فى النهى من وجوه كثيرة ـ أولها ـ أنه قرن الخمر والميسر بالعبادة بالذبح على النصب ، وتلك قرينة التحريم فى ذاتها.
وثانيها ـ أنه وصفها بأنها من عمل الشيطان ، وأنها رجس ، أى أمر قذر فى ذاته ، فهى ضارة ، ولا تتقبلها النفس الفطرية ، ومضارها الجسمية معلومة لكل مدرك أريب.
وثالثها ـ أنه طالب باجتنابها ، والاجتناب يقتضى البعد عنها ، وعن مجالسها ، وعن شاربيها ، وذلك أبلغ من قولك : لا تشربها.
ورابعها ـ أنها تدفع إلى العداوة والبغضاء ، وهما أمران مفسدان ، مقوضان لبناء المجتمع.
وخامسها ـ أنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة ، والصلاة فرض لازم هو شعار الإسلام ، والصد عنه أشد الأمور فى الإسلام فهو حرام ، فكل ما يؤدى إليه يكون حراما مثله ، لأن ما يفضى إلى الحرام يكون حراما.
وسادسها ـ قوله تعالى : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) ، وقد قلنا أنها أبلغ صيغة فى النهى عن الفعل.