الصحابة على كرم الله وجهه عقوبتها من عقوبة القذف ، وقد جاءت النصوص القرآنية مشيرة إلى مضار الخمر ، وأنها شراب مذموم ، وجاءت بالنهى عنها ، وأول آية نزلت مشيرة إلى أنها أمر غير حسن قوله تعالى :
(وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (٦٧) [النحل : ٦٧].
وقد كان ذلك النص متضمنا استهجانا لها ، وهو استهجان ببيان أنها شىء غير مستحسن فى ذاته ، فهو مقابل للأمر المستحسن. والمقابل للمستحسن لا يكون إلا مستهجنا.
وكان ذلك أول تنبيه للعرب باستهجانها ؛ لأنهم كانوا يألفونها فى جاهليتهم ويتفاخرون بشربها كما يفعل أهل الجاهلية فى هذا الزمان الذى نعيش فيه.
وهذه الآية نزلت فى مكة ، فلما كانت الهجرة ، وأشرب المسلمون حب الإسلام أشار القرآن إلى ما يوجب تحريمها ، فقال تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) [البقرة : ٢١٩].
وقلنا أن هذا النص السامى يوجب تحريمها ؛ لأن كل أمر غلبت مضاره على منافعه يوجب العقل أن يحرمه الإنسان على نفسه ، لأنه ما من شىء إلا فيه نفع نسبى ، وضرر نسبى ، والعبرة بما يغلب ، ولكنه ليس تحريما صريحا. ولذلك بعد هذا النص كان عمر رضى الله عنه يقول : اللهم بين لنا فى الخمر بيانا شافيا.
وإن النفس العربية كانت قد ألفت شربها ، وتعودته ، فلا بد من تربية تخلع هذه العادة غير الحسنة فجاء النص الآخر الكريم ليربى النفس على البعد عنها ، فقال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ) [النساء : ٤٣].
وإنه لا يتصور إيمان من غير صلاة ، فالصلاة أمر محتوم. وقد نهى عن أن يقربها وهو سكران ، حتى يعلم ما يقول ، والعلم بما يقول هو العلم بما ينبغى قوله ، وما لا ينبغى ، ونتائج القول ، وتحرى الصدق ، وكل هذا لا يكون إلا من ذوى وعى كامل مدرك لحقائق الأمور ، وغاياتها ، ولا يكون ذلك إلا إذا كان على بعد من الشرب بوقت طويل ، وقال سبحانه وتعالى : لا تقربوا الصلاة ، ولم يقل لا تدخلوا فى الصلاة ؛ لأن النهى عن المقاربة أبلغ من النهى عن الدخول.
وإذا كانت الصلوات خمسا موزعة فى النهار وزلفا من الليل ، فإنه لا بد أن يكون على صحو كامل من قبل الفجر حتى لا يقرب صلاة الفجر. وهو لا يعلم ما يقول ، ولا بد أن يكون فى صحو قبل الظهر ، ولا بد أن يكون الصحو مستمرا إلى العصر ،