وثانيها ـ أن يكون البغاة لهم قوة بعسكر مناوئة لحكومة الإمام.
وثالثها ـ أن يكون خروجهم لإقامة العدل لا لمجرد الخروج ، والمحاربة والسعى فى الأرض بالفساد. وبذلك يفترقون عن قطاع الطريق ؛ لأن قطاع الطريق يخرجون على الحاكم من غير تأويل للإفساد ، وانتهاك حرمات العباد ، وقد كانت عقوبة أهل البغى قتالهم من غير أن يكفروا ولا يعتبروا محاربين ، بل يقاتلون حتى تفل شوكتهم ، وأن على المؤمنين أن ينصروا الإمام العادل.
وهذا نص ما جاء فى كتاب الله تعالى خاصا بذلك : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٩) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (١٠) [الحجرات : ٩ ، ١٠].
ويستفاد من هذا النص الكريم أنه قبل القتال يجب العمل على رأب الصدع بجمع القلوب المتفرقة ، وتحرى أسباب التقاتل بين الطائفتين ، فإن أمكن إزالة أسباب الخصام ، فإنه بهذا يستقر السلام ، وإن تبين الظلم من إحدى الطائفتين كانت الباغية ، وحل قتالها ، وكان القتال فرضا كفائيا على المؤمنين ، يعاونون العادل ، ويدفعون الآثم.
وتدل ثانيا : على أن القتال له غاية ، وهو أن تعود إلى أمر الله تعالى ويستقيم أمرها على جادة العدل. فلا يؤسر منهم أسير ، وبالتالى لا يسترق منهم ، ولا تنهب أموالهم ، ولا يجهز على جريحهم.
وتدل ثالثا : على أنها إن عادت إلى صفوف المؤمنين تعامل بالعدل ، ولا تعامل بالانتقام ، فليست بينها وبين الحاكم خصومة ، إنما بينهما الأخوة الجامعة ، ولذلك عقب ذكر العقوبة بقوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (١٠) [الحجرات : ١٠].
وقد ذكر حكم البغاة مجملا ، ولم يكن بغى فى عصر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ، لأن الخروج على حكمه كفر ، وليس ببغى يكون أساسه التأويل ، فلا تأويل ، وعمل النبى صلى الله تعالى عليه وسلم صريح.
وكذلك لم يحدث بغى فى عهد أبى بكر ، بل حصلت ردة ، وكفر ، وكذلك لم يحصل بغى فى عهد الفاروق ، وفى عهد عثمان كان بغى ، ولم تكن مقاومة للبغاة ، حتى قتل الشهيد ذو النورين رضى الله عنه قتلة فاجرة ، وفى عهد على فارس الإسلام ، والمجاهد الأول بعد النبى صلى الله تعالى عليه وسلم كان البغى ، بشروطه.