المال ما كان من مال المتاجرين ، وما كان من مال غيرهم أخذ للتجار وما كان ديونا مأخوذة ليستغلها المدينون.
ورابعا ـ أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قال فى تحريم ربا الجاهلية : وأول ربا أبدأ به ربا عمى العباس بن عبد المطلب. ولا يتصور من العباس رضى الله عنه أن يكون عربى محتاجا لقدر من المال فى أموره الضرورية ، فيأبى إلا أن يقرضه ربا ، وهو الذى يسقى الحجيج فى موسم الحج نقيع الزبيب والتمر.
وخامسا ـ أنه لوحظ فى بعض أخبار العرب أن الأثرياء كانوا يقترضون ، فكان أبو جهل عليه دين لرجل ليس من قريش وماطله ، فاستعان بقريش لتحمله على الوفاء ، فسخروا منه ، وأشاروا عليه بأن يستعين بمحمد بن عبد الله ورسول الله ، فأعانه ، فقد قال الرسول القوى الأمين ، بعد أن صك الباب صكة أرعدت مفاصله : أد للرجل دينه ، فأداه صاغرا غير كابر.
ويروى أن بنى المغيرة قد استدانوا من ثقيف قبل أن يسلم الفريقان فلما جاء القرآن بالنهى عن الربا ، وأنه موضوع ، واختلف الدائن الثقفى مع المدين من بنى المغيرة ، أيحتسب من رأس المال ما أخذه من ربا من قبل التحريم أم لا يحتسب ، أراد المدين أن يحتسب ، وأراد الدائن ألا يحتسب ، فاحتكموا إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ، فحكم بينهم بمقتضى النص القرآنى.
وأن بنى المغيرة لم يكونوا فقراء ، بل كانوا قوما من الأثرياء ، وفيهم من قال الله تعالى فيه : (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (١١) وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً (١٢) وَبَنِينَ شُهُوداً (١٣) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً) (١٤) [المدثر : ١١ ـ ١٤].
ومنهم من يدعى أن النبوة لا تكون إلا فى رجل ثرى عظيم فى منظره ، وقال سبحانه وتعالى عنه : (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) (٣١) [الزخرف : ٣١]
وإذا كان ما بين الأغنياء من تقارض بزيادة ، فدعوى إخراج القرض الاستغلالى من نطاق الربا دعوى باطلة ، وهى تدل على أن القائلين أخضعوا حكم القرآن لحكم الزمان ، فضلت مداركهم ، وزاغت قلوبهم : (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) (٨) [آل عمران : ٨].
وسادس الأمور التى تثبت أن ربا القرآن يعم القرض الاستغلالى والقرض الاستهلاكى أن العرب فى حياتهم البدائية كانوا يقومون على أدنى معيشة من المادة ، فما كانت لهم مطالب متعددة ، وما كانوا يحتاجون إلى جهاز لابنة يجهزونها ، ولا لأنواع من الأطايب يطلبونها ، بل يكتفون بالقليل ، وهؤلاء لا يكون فيهم قرض