ويدل ثالثا ـ على أن الذين يترددون فى موقفهم فهم يريدون السلامة لأنفسهم بمداهنة قومهم الذين يقاتلونهم ومداهنة المؤمنين ، فهؤلاء يحكم عليهم بالواقع ، فإن لم يقاتلوا المؤمنين فلا سبيل عليهم ، وإلا كان قتالهم حقا بذلك الموقف البادى.
وإن هذا التقسيم يدل على أن القرآن الكريم يقرر نظرية الحياد ، ويحترم المحايدين ، فلا يرفع عليهم سيفا ، فالناس على ذلك فى نظر القرآن الكريم ثلاثة أقسام :
محاربون للمسلمين : وهؤلاء يجب قتالهم لرد اعتدائهم. والأخذ بالنواصى والأقدام من غير هوادة. وهؤلاء هم المعتدون بالقتال أو بفتنة المؤمنين كما قال تعالى : (قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) (١٤) [التوبة : ١٤]
والقسم الثانى أهل الميثاق الذين بينهم وبين المؤمنين ميثاق عدم الاعتداء ، وهؤلاء يحترم ميثاقهم ، بل يمتد احترام الميثاق إلى الذين لهم به صلة ، بحيث يكون سلمهم واحدة وحربهم واحدة.
والقسم الثالث المحايدون الذين لا يكونون مع المؤمنين ، ولا مع أعدائهم واقعا ، لأنه ما دام الأصل فى العلاقات هو السلم إلا إذا حدث ما يوجب القتال ، فإن لم يكن منهم ما يوجبه فإنه لا سبيل لأحد عليهم.
وقد فهم بعض الذين لا يدرسون المسائل دراسة فاحصة مستقرية أنه لا موضع للحياد فى الفقه الإسلامى ، وذلك كلام من لم يمحص الحقائق لأن القرآن الكريم كما ترى جعل للحياد موضعا ، وهم الذين يعتزلون الحرب مع المسلمين أو ضدهم ، فقال إنه لا سبيل عليهم ، فكان الحياد ثابتا بنص القرآن الكريم.
٢٢٧ ـ وإذا تلونا بعض آيات القرآن الكريم التى فتحت باب القتال جهادا فى سبيل الله نجدها صرحت بأن القتال كان للاعتداء من غيرنا بطريقتين : قتل المؤمنين والاعتداء عليهم ، وإخراجهم من ديارهم ، والثانى بفتنتهم فى دينهم ، كما قال تعالى : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (٣٩) [الأنفال : ٣٩] أى كل إنسان يعتنق ما يعتنق لا رقيب على قلبه إلا الله تعالى ، فلا إكراه فى الدين ولا فتنة فيه.
وهنا يسأل سائل : ألم يبح القرآن القتال ، إلا دفاعا ، أو ردا للاعتداء ، ولم يبح الهجوم؟ ونقول فى الجواب عن ذلك : إن القرآن صريح فى أنه لا يباح القتال مع من ألقى السلام ، وبذلك يكون من المؤكد أن الإسلام لا يبيح الهجوم على الآمنين الذين