يلقون السلام وإن ذلك حق لا ريب ؛ لأنه لا يباح الهجوم على من لا يعلن العداوة على المؤمنين ولكن هل يمنع الهجوم مطلقا؟ وللجواب على ذلك نقول :
إن الذى استنبط من صريح الآيات التى تلوناها أننا لا نحارب إلا من اعتدى علينا أو فتننا عن ديننا ، ومن الفتنة فى الدين أن يمنع المتدين من إقامة شعائر دينه ، وأن يحال بين الحق والدعوة إليه.
إنه فى هذه الحال يكون القتال ، ولكن يزاد عليها إذا قامت العداوة التى ابتدأها غير المؤمنين بالاعتداء على المؤمنين ، ومحاولة غزوهم فى ديارهم ، أو فتنتهم فى دينهم ، فإنه عندئذ يتعين قتال العدو المترصد الذى لا يألو المؤمنين إلا خبالا ويود عنتهم ، وإرهاقهم ، فلا يكون الاقتصار فى الحرب على الدفاع بأن ينتظر المؤمنون حتى يهاجمهم الأعداء ، وقد بدت عداوتهم وأعلنوها صريحة لا إبهام فيها ، إنه كما قال بطل الجهاد على بن أبى طالب : (ما غزى قوم فى عقر دارهم إلا ذلوا).
وبذلك نفسر قولنا إن المؤمنين ما قاتلوا إلا ردا للاعتداء بمثله أو توقفه ، ولقد تلونا الآيات التى تنهى عن قتل من لا يعتدى علينا ، ومن يعتزل قتالنا ، ومن يلقى علينا السلام.
وإذا ظهر الاعتداء ، وما يسكت عنه إلا للاستعداد لمثله ، كان القتال مشروعا بكل ضروبه لهؤلاء الأعداء بالهجوم على مأمنهم ، وبالقصد إلى مكامنهم ، ولذلك يقول الله تعالى : (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥) وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (٦) كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٧) كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ (٨) اشْتَرَوْا بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩) لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ) (١٠) [التوبة : ٥ ـ ١٠].
ويقول تبارك وتعالى : (أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣) قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (١٤) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (١٥) [التوبة : ١٣ ـ ١٥].
وترى من هذا النص أن الأساس هو الابتداء بالاعتداء. فإذا ابتدأ الاعتداء وجب