وقد اشتهر بإقراء الناس القرآن ، وتعريفهم أوجه قراءاته طائفة من الصحابة قد احتجزوا عن الخروج إلى ميادين الفتح ، ليعلموا الناس ويفقهوهم فى دينهم ، ويقرءوهم القرآن الكريم.
ومن هؤلاء عثمان بن عفان ، وعلى بن أبى طالب فارس الإسلام احتجز عن الجهاد بالسيف ، ليكون له جهاد العلم والقرآن ، وأبى بن كعب ، وزيد بن ثابت ، وعبد الله بن مسعود ، وأبو الدرداء.
وعن هؤلاء أخذ كثيرون من الصحابة والتابعين وأقرءوهم القرآن بوجوه القراءات ، وكلها يتفق مع المكتوب عن النبى صلىاللهعليهوسلم.
ولما أخذ المقرءون للقرآن من الصحابة ينقرضون حمل التابعون ذلك العبء الكريم ، فقاموا بحقه ، ويظهر أن المقرئ كان يقرئ طالب القرآن القراءات كلها ، ويختار منها ما يطوع له لسانه ، من غير اعوجاج ، فكان الصحابة وكبار التابعين يقرءون بالأوجه كلها ولكن يختار المستحفظ ما يقوى عليه لسانه.
وفى آخر عصر التابعين خلف من بعد قراء الصحابة والتابعين خلف طيب ، وجد التخصص فى قراءة من القراءات أولى من حفظ جميعها ، فإنه إذا كان ذلك فى طاقة الصحابة ومن داناهم من كبار التابعين ، فمن وراءهم دون ذلك ، إذ أخذت الطبيعة العربية تضعف عن حمل العبء كاملا ، فعنى من أفاضل القراء من صغار التابعين ، وتابعى التابعين برواية كل واحد منهم قراءة واحدة ليسهل عليه نطقها ، ورووها متواترة فكانت الرحال تشد إليهم يتلقون عنهم ، ويأخذون بما يقرئه كل واحد.
واشتهر من هؤلاء الذين خلفوا عهد الحفاظ من الصحابة الذين كانوا يقرءون الناس من صحابة وتابعين ـ اشتهر سبعة كانوا من بعد أئمة القراء.
وهم عبد الله بن عامر المتوفى سنة ١١٨ ه ، وعبد الله بن كثير المتوفى سنة ١٢٠ ه ، وعاصم بن مهدلة الأسدي المتوفى سنة ١٢٨ ه ، وأبو عمرو بن العلاء شيخ الرواة المتوفى سنة ١٥٤ ه ، وحمزة بن حبيب الزيات العجلى المتوفى سنة ١٥٦ ه ، ونافع بن نعيم المتوفى سنة ١٦٩ ه ، وعلى بن حمزة الكسائى إمام الكوفيين المتوفى سنة ١٥٩ ه ، وقراءات هؤلاء السبعة هى المتفق عليها التى نالت الإجماع ، ولكل واحدة منها سندها المتصل المتواتر ، وطريقه وهو محفوظ فى علم القراءات ، وأجمع المسلمون على التواتر فيها.
وقد ألحق علماء القراءات وأهل الخبرة فيها ثلاثة غيرهم صحت قراءاتهم ، وثبت تواترها وهم أبو جعفر يزيد بن القعقاع المتوفى سنة ١٣٢ ه ويعقوب بن إسحاق الحضرى المتوفى سنة ١٨٥ ه وخلف بن هشام.
وقراءات هؤلاء بإضافتها إلى القراءات السبع تكون عشرة كاملة.