أقسام القراءات
٢٣ ـ لا عبرة إلا بالقراءات المتواترة ؛ لأنها هى التى تتناسب مع تواتر القرآن ، وحفظه فى الأجيال إلى يوم القيامة ، وسد السبيل للريب ، فلا يأتيه فى أى ناحية من نواحيه ، لأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ، ولأن الله تعالى قد وعد بحفظه فقال : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (٩) [الحجر : ٩] والله تعالى لا يخلف الميعاد.
ولكن مع ذلك قرر علماء القراءات أن هناك ما روى بطريق الآحاد ، وهناك الشاذ ، وإن كان الاثنان لم يبلغا درجة أن تكون معتبرة أو لائقة بالقرآن.
ولذلك قسموا القراءات إلى أقسام ثلاثة :
أولها : القراءات المتواترة ، وهى حجة فى التلاوة ، وليس لمؤمن بالقرآن أن ينكرها ، وإذا كان قد روى عن الزمخشرى (١) إنكار بعض القراءات أو ردها مستنكرا لها ، فإن ذلك النوع ليس من القراءات المتواترة ، وما كان لمثل الزمخشرى فى علمه ومكانته وإيمانه أن ينكر متواترا ، والذين يستمسكون بمثل قوله ، لا يأخذون إلا بحبل واه ، يهوى بهم إلى نار جهنم ، لأنه رضى الله تبارك وتعالى عنه ، ما أنكر متواترا ، ولكنهم يطيرون وراء كل ريح يحسبونها هادمة ، ولكن ما هم ببالغيه ، ودون ذلك دق أعناقهم.
وشروط القراءة المتواترة ثلاثة :
أولها : أن تكون موافقة للمصحف الإمام ، لأنه الأصل المعتمد عليه ، وهو المرجع ، وهو صورة صادقة للمكتوب فى عصر النبى صلىاللهعليهوسلم فيكون بالتزامه القرآن متواترا قراءة وكتابة ، والله سبحانه وتعالى هو الحافظ له إلى يوم الدين.
الشرط الثانى : التواتر فى السند بأن يرويه جمع عن جمع حتى عصر النبى صلىاللهعليهوسلم.
الشرط الثالث : أن يكون موافقا للمنهاج العربى الثابت فى اللغة ، وليس معنى ذلك أن تكون أقوال النحويين حاكمة على القرآن بالصحة ، فإنه هو الحاكم عليهم ، وهو أقوى حجج النحويين فى إثبات ما يثبتون ، ونفى ما ينفون ، ولكن معنى ذلك ألا يكون فيه ما يخالف الأسلوب العربى فى مفرداته وفى جمله وعباراته.
القسم الثانى : القراءة غير المتواترة ، وقد رويت بطريق الآحاد ، ولم تبلغ فى روايتها حد التواتر ، وهذه يكون رواتها عدولا ، لم يثبت عليهم ريبة اتهام فى قول أو عمل ، وهذه يقرأ القرآن بها ، وخصوصا إذا وافقت المتواتر بشرط موافقتها للمصحف
__________________
(١) توفى سنة ٣٨٥ ه.