ولكن الكلام فى القصص والكونيات ، وبعض ما يتعلق بالنبى صلى الله تعالى عليه وسلم دخله الإسرائيليات ، وكثرت فى كتب التفسير وتجاوزت الحد ، ورد بعض التابعين كثيرا من الإسرائيليات.
بل إن بعض الصحابة نقل عن الإسرائيليين ، فإنه يروى أن عبد الله بن عمرو بن العاص أصاب فى واقعة اليرموك حمل زاملتين من كتب أهل الكتاب (١).
ولا يمكن أن يكون كل ما فى هذه الحمولة صحيحا عن أهل الكتاب الذين تمسكوا بالتوراة أو الإنجيل من بعدها ، ولا نعلم على وجه اليقين أكان ابن عمرو بن العاص لا يختار منها إلا ما يوافق الكتاب والسنة الصحيحة ، أم كان يتجاوزها إلى ما يناقضها ، أم يسير وراء ذلك.
ولكن من المؤكد أن ما فى الزاملتين لا بد أن تناقله التابعون ، وليسوا جميعا ممن يلتزمون ، ولا يسرفون فلا يمكن أن نقرر سلامة ما يأخذون.
ولقد توقف العلماء فى قبول الإسرائيليات التى راجت حول التفسير فى قبولها ، وقد قسموها إلى ثلاثة أقسام : القسم الأول ما علم صدقه ، لأن القرآن يوافقه ، ولا تجافيه ألفاظه المحكمة ، أو لأنه صلى الله تعالى عليه وسلم نقل عنه بسند صحيح ما يوافقه ، وهذا بلا شك لا يكذب ، ولكن لا نجد فيه غناء عن السنة ، ولا نجده يسد حاجة وخللا لو لم يوجد لا تسد ، ولذلك نرى الأولى ألا يلتفت إليه ، لأن السنة والقرآن يغنيان ، وسدا للذريعة لا يعتمد عليه ، لأن قبول بعض المروى عن اليهود الذى لا زيف فيه ، يسهل قبول الزيف ، وهو الأكثر ، وهو الذى تعمدوا به أن يفسدوا علينا أمر ديننا ، وإذا كانوا لا يستطيعون تحريف القول فيه عن مواضعه ، فإنهم يجدون فى التفسير طريقا لإفساد العقول حول معانى القرآن الكريم.
القسم الثانى : ما ثبت كذبه بيقين ، وهو ما يناقض معانى القرآن الكريم ، ويخالف الصحيح المتواتر من السنة ، أو يخالف منطق الإسلام ، وإن هذا يرد بالاتفاق. وإن المستقرئ لكتب التفسير المشتملة على الإسرائيليات يرى أن أكثر ما دس فيها من هذا القبيل.
القسم الثالث : الذى لا يأتى بما يخالف النصوص القرآنية ، ولا الأحاديث النبوية ، ولكنه فى جملته أخبار تحتمل الصدق والكذب ، ويقول ابن تيمية فى هذا القسم : لا نؤمن به ولا يمكن أن يكون فيه فائدة إسلامية ، ومن ذلك ما يذكرون حول أسماء أهل الكهف ، ولون كلبهم ، ومن ذلك أيضا وصف عصا موسى (٢).
__________________
(١) مقدمة التفسير لابن تيمية ص ٦٢ طبعة دمشق سنة ١٩٢٦.
(٢) رسالة مقدمة التفسير المذكورة.