ترجمته ، فيترجم أصل النهى والأمر ، ووقائع القصة ، ولكن العبارات التى سبق بها القول وما فيه من صور بيانية ، وإشارات تعلو بالكلام إلى أسمى المنازل حيث لا يكون له شبه ولا مثيل ، فإن ذلك لا يمكن ترجمته.
ولقد قال الشاطبى فى هذا المعنى بعد أن قسم معانى الكلام البليغ إلى معان أصلية ومعان خادمة هى ما تشير إليه المجازات والتشبيهات والإشارات البيانية ، ومطويات الكلام ومراميه البعيدة ، قال بعد هذا التقسيم : «إذا ثبت هذا لا يمكن من اعتبر هذا الوجه أن يترجم كلاما من الكلام العربى بكلام الأعاجم فضلا عن أن يترجم القرآن وينقله إلى لسان غير عربى إلا مع فرض استواء اللسانين فى اعتباره عينا ، فإذا ثبت ذلك فى اللسان المنقول إليه مع لسان العرب أمكن أن يترجم أحدهما إلى الآخر ، وإثبات مثل ذلك بوجه بين عسير جدا».
ونزيد على الشاطبى أنه إذا توافق اللسانان فإنه بعد ذلك لا يوجد فى اللسان الآخر من تكون عبارته كعبارة القرآن المعجز للبشر أجمعين الذى إن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله لا يأتون ، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا.
وقد نفى ابن قتيبة إمكان ترجمة القرآن على الوجه الثانى ، أما الوجه الأول فقد قال فيه : «فأما عن الوجه الأول فهو ممكن ، ومن جهة صح تفسير القرآن ، وبيان معناه للعامة ، ومن ليس له فهم يقوى على تحصيل معانيه ، وكان ذلك جائزا باتفاق أهل الإسلام ، فصار أهل الاتفاق حجة على صحة الترجمة بالمعنى الأصلى» (١).
وبهذا يتبين أن ترجمة القرآن غير ممكنة.
ولا تسوغ ترجمة القرآن ، واعتبار هذه الترجمة ـ قرآنا ، فإن ذلك يؤدى إلى ألّا يحفظ القرآن من التحريف والتبديل ، بل يعتريه ما اعترى التوراة والإنجيل من تحريف وتبديل ، فالأناجيل ضاع أصلها العبرى ، ولم يبق إلا ترجمتها اليونانية ، أو بالأحرى ترجمة بعضها ، والسبب فى ذلك هو ترجمتها من العبرية ، وهكذا يكون القرآن الكريم لو سوغنا ترجمته ، ولكن الطريق مسدود ابتداء لأن الترجمة غير ممكنة ، فكان القرآن محفوظا : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (٩) [الحجر : ٩].
٢٦٢ ـ وهنا يرد أمران منبعثان من السؤال الثالث الذى ذكرناه ، وهو كيف نوصل علم القرآن إلى أهل الألسنة الأخرى ، ذانكم الأمران أولهما أن كثيرين من الأوربيين والأمريكان وغيرهم ، والمغرضون فيهم أكثر من طالبى الحقائق ـ كتبوا معانى القرآن بغير العربية وسموها قرآنا وحرفوا فيها الكلم عن مواضعه ، والأجانب يعتبرونها قرآنا ،
__________________
(١) المعارف لابن قتيبة.