ولقد أمر الله تعالى نبيه الكريم بأن يرتل القرآن ترتيلا فقال تعالى : (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) [المزمل : ١٤] ولقد نسب سبحانه وتعالى الترتيل إلى ذاته العلية فقال تعالى : (وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً).
ولقد وضع العلماء المقاييس والضوابط التى تميز الترتيل المطلوب فى تلاوة القرآن الكريم ، ولم يتركوا الأمر فرطا بل وضعوا ميزانا يميز الترتيل المطلوب عن القراءات البعيدة عن الترتيل ، وهو علم التجويد ، وعلم القراءات ، ففي هذين العلمين يتميز المنهاج المطلوب فى الترتيل عن غيره مما يبتدعه الناس.
٢٦٤ ـ ولقد كان التابعون تلاميذ الصحابة يتبعون فى قراءة القرآن الترتيل الذى تعلموه من الصحابة كما أشرنا ، وهو الترتيل الذى قرأ به الصحابة على النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ، وهو الترتيل الذى علمه الله تعالى لنبيه ، فكان السند متصلا اتصالا وثيقا ، وتواترت القراءة ، تواتر القرآن كما نوهنا.
ولكن حدث فى العصر الأموى ، وهو عصر التابعين ، ومن امتد به الأجل من الصحابة رضى الله تعالى عنهم أن دخل الغناء الفارسى ، وتشايع ذلك الغناء بألحانه.
ويظهر أن هذا الغناء تسامى بألحانه إلى القرآن الكريم ، فالتوت بعض الألسنة عن الترتيل المتبع فى عصر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ، ومن كان حيا من المعمرين من الصحابة استنكر ذلك ، يروى فى هذا عن زياد النميرى أنه جاء مع بعض القراء إلى أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقيل له : اقرأ ، فرفع صوته ، وطرب ، وكان رفيع الصوت ، فكشف أنس عن وجهه ، وكان على وجهه خرقة سوداء ، فقال : يا هذا ما هكذا كانوا يقرءون. وكان إذا رأى شيئا ينكره كشف الخرقة عن وجهه.
وإن هذا الخبر عن ذلك الصحابى الجليل يدل على أمرين :
أولهما ـ أن التطريب بالقرآن برفع الصوت وخفضه مسايرة لنغم أو نحو ذلك ما كان فى الترتيل الذى تلقاه الصحابة عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم.
والثانى ـ أنه يدل على أن ذلك التطريب بقراءة القرآن قد حدث فى العصر الأموى بعد أن دخل الغناء الفارسى ، فهو بدعة ابتدعت ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة فى النار ، وذلك فوق أن القرآن لا بد أن يرتل ترتيلا ، وذلك ليس ترتيل القرآن ، والقراءة كما قلنا متبعة.
وإن التلاوة الحق كما حد العلماء حدودها ، وقرروا مقياسها فى علم يدرس قد ذكر القرآن خواصها ، وهى فى آثارها فى نفس القارئ ، وفى نفس من يسمعها ، وفيما تدل عليه من منزلة القرآن ، ومكانته فى هذا الوجود.