لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) (١٩) [سورة القيامة : ١٦ ـ ١٩]. فإن ذلك صريح فى أن القرآن نزل على النبى صلىاللهعليهوسلم باللفظ والمعنى والقراءة ، وأن ذلك عليه إجماع المسلمين ، والعلم به علم ضرورى ومن يخالفه يخرج من إطار الإسلام. وقد صرح القرآن الكريم بأن الله تعالى هو الذى رتل القرآن. فقال تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً) (٣٢) [سورة الفرقان : ٣٢].
(ج) ولقد تكلمنا من بعد ذلك فى إعجاز القرآن ، وبينا وجوه الإعجاز ، ودفعنا القول بالصرفة دفعا ، ثم تكلمنا فى علم الكتاب ، وجدل القرآن ، وتفسير القرآن ، ومناهج التفسير ، وبينا التفسير بالأثر ، ومقامه من التفسير بالرأى ، وأن الرأى يجب ألا يناقض المأثور ، وأن التفسير باللغة والأثر مفتاح التفسير بالرأى.
(د) وتكلمنا فى الغناء بالقرآن وتحريمه ، والتغنى الجائز المأثور ، وإبطال ما سواه ، وسرنا فى طريق الحق الذى لا عوج فيه ، ولا أمت.
٣ ـ وإنا نحمد الله تعالى على ما اختبرنا به فى أثناء كتابة ما كتبناه ، لقد اختبرنا الله تعالى فى أول كتابة ما كتبنا عن القرآن فانقطعنا عن الاتصال بالصحف السيارة ، نخاطب المسلمين من فوق منبرها ، وقطعنا عن المجلات العلمية نوجه الفكر الإسلامى من طريقها ، ومن كل طرق الإعلام فلا نصل إليها ، وكان الهم الأكبر أن انقطعنا عن دروسنا ، وعن المحاضرات العامة.
ولكن القرآن آنسنا فى وحدتنا ، وأزال غربتنا ، فكان العزاء النفسى والجلاء الروحى ، واختبرنا الله تعالى بالضر كما اختبر نبيه أيوب إذ قال : (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (٨٣) [سورة الأنبياء : ٨٣] وإنه وإن تشابه المرض فإنه يختلف المقام فهذا نبى يوحى إليه ، ونحن من الأتباع ، ونرجو أن نكون من الأبرار فى اتباع النبيين ، لزمنا المرض المقعد نحو شهرين ، فكان ألم الابتعاد عن القرآن أكبر من ألم المرض الممض ، ولقد من الله تعالى بالشفاء ، فخرجنا من الداء العقام ، وما منعتنا وعثاء المرض فعدنا إلى القرآن ، نقبس من نوره ، ونعبق من عرفه ، فهو أنس المستوحش ، وسمير المستغرب ، فأنسنا بعد طول الغياب ، ومنحنا الله تعالى به العافية ، فوفقنا لأن نقطع كل ما أردنا عرضه فى مدة المرض ، وكأنا فى مجموع ما بلينا فى طول المدة أصحاء فى أبداننا ، لأنه سلمت نفوسنا من السقام ، بفضل القرآن.