٢ ـ ولكن ما إن قاربنا نوره ، حتى بهرنا ضياؤه ، واستغرق نفوسنا سناؤه ، وانتقلت نفوسنا إلى الاتجاه إليه قاصدين ذاته أصلا ، لا تبعا للسيرة ، ولو كانت سيرة من نزل عليه القرآن ، وخاطب فى ظله الأجيال ، سيدنا الهادى رسول الله رب العالمين.
وقد حاولنا أن نملأ نفوسنا من ينابيع الهداية فيه ، وأن نشفى أمراض قلوبنا بما فيه من دواء ، وأن نكشف الغمة بما فيه من حكم وعبر.
لذلك صار القرآن وعلم القرآن ، وكل ما يتعلق به هدفا لنا مقصودا ، وأملا منشودا لا نبغى سواه ، ولا نطلب غيره.
فكان لزاما علينا أن نخص كتاب الله ببحث ودراسة ، وأن نخرج من ذلك البحث كتابا نرجو أن يكون قيما فى ذاته ، وإن كان لا يعلو إلى حيث يكون مناسبا لموضوعه ، فموضوعه أعلى من أن تناهده همتنا ، وأن تتسامى إليه عزيمتنا ؛ لأنه كتاب الله تعالى ، وأنى لضعيف مثلى أن يصل إلى وصفه أو التعريف به ، إنه فوق منال أعلى القوى إدراكا ، وأعظم النفوس إشراقا.
(أ) وقد اتجهت ابتداء إلى بيان نزول القرآن منجما ، وحكمته مستمدا هذه الحكمة من نص القرآن ، وما أحاط بالتنزيل ووجوب حفظه فى الصدور ، ثم بينت أنه كتب فى حياة الرسول ، وأن النبى عليهالسلام كان يملى الآية أو الآيات التى تنزل عليه على كتاب الوحى ، حتى إذا تم نزوله ، كانت كتابته قد تمت ، وقراءته بهذا الترتيب الذى نراه فى الآيات والسور ، قد كملت ، وقد تكلمت من بعد ذلك فى جمع المكتوب فى عهد الصديقين أبى بكر وعمر رضى الله تعالى عنهما ، ثم فى عهد ذى النورين عثمان رضى الله تعالى عنه.
(ب) وقد اتجهت إلى الحق فى وسط ما أثاره بعض العلماء من خلافات حول أحرف القرآن الكريم ، وقراءاته ونزوله ، وقد أسرف بعض العلماء على أنفسهم وعلى الحق ، فأثاروا أقوالا باطلة ما كان من المعقول إثارتها. حتى أن بعض المغرمين بالجمع ونقل الخلاف قالوا أمورا تخالف نص القرآن الكريم ، فيما ذكر من نزوله ، وتهافتت الأقوال حتى وجدنا الذين لا يرجون للإسلام وقارا يتعلقون بأقوال ذكرت لهؤلاء ، كقول بعضهم : إن هناك رأيا يقول : إن القرآن نزل على قلب النبى صلىاللهعليهوسلم بالمعنى واللفظ للنبى ، ونسوا قوله تعالى معلما للنبى صلىاللهعليهوسلم القراءة والنطق بها : (لا تُحَرِّكْ بِهِ