الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ) [الروم : ٢ ـ ٤]. إلى آخر ذلك من الأمور المغيبة التى أخبر القرآن عنها قبل وقوعها. فوقعت كما أخبر.
ورابعها ـ ما أخبر به من أخبار القرون والأمم البائدة. والشرائع الداثرة مما كان لا يعلم منه القصة الواحدة إلا الفذ من أحبار أهل الكتاب الذى قطع عمره فى تعلم ذلك ، فيورده النبى صلىاللهعليهوسلم على وجهه ويأتى به على نصه ، فيعترف العالم بذلك بصحته وصدقه ، وأن مثله عليه الصلاة والسلام لم ينله بتعليم. وقد علموا أنه صلى الله تعالى عليه وسلم أمى لا يقرأ ولا اشتغل بمدارسة.
هذا ما ذكره القاضى عياض المتوفى سنة ٥٤٤ ه فى وجوه الإعجاز. ونجد الأمرين الأولين يتعلقان بالناحية البيانية فى القرآن ، وإن كان أولهما يتعلق بتأليف كلماته وتناسقها مع فصاحتها وسلامتها وخلوها من الحوشى ، والثانى بصورة النظم ومع تخالف حقيقتهما نجد كلا منهما ينتهى إلى الناحية البيانية.
أما الأمران الآخران. فإنهما يتعلقان بصدق الأخبار التى اشتمل عليها القرآن الكريم ، بيد أن الأول يتعلق بالإخبار عن الغيب فى المستقبل الذى لا يعلمه إلا الله تعالى ، والثانى يتعلق بالإخبار عن الماضى.
٣٩ ـ وذكر القرطبى سنة ٦٨٤ ه فى تفسيره أن أوجه إعجاز القرآن عشرة :
١ ـ منها النظم البديع المخالف لكل نظم معهود فى لسان العرب وغيرهم لأن نظمه ليس من نظم الشعر فى شىء ، ولذلك قال رب العزة : (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ) [يس : ٦٩].
٢ ـ ومنها الأسلوب المخالف لجميع أساليب العرب.
٣ ـ ومنها الجزالة التى لا تصح من مخلوق بحال من الأحوال ، وتأمل ذلك فى سورة (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) (١) ... إلى آخرها [ق : ١].
وقوله تعالى : (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) [الزمر : ٦٧] إلى آخر السورة ، وقد ضرب على ذلك الأمثلة الكثيرة.
وهذه الأمور الثلاثة كما نقل القرطبى عن ابن الحصار من النظم والجزالة لازمة فى كل سورة بعيدة عن سائر كلام البشر وبها وقع التحدى والتعجيز.
٤ ـ ومنها التصرف فى لسان العرب على وجه لا يستقل به عربى ، حتى يقع منها للاتفاق من جميعهم على إصابته فى وضع كل كلمة وكل حرف فى موضعه (باعتبار أن القرآن الكريم فيه الكلمات من لهجات العرب ، أو لغاتهم).